"أمنستي" تستقبل نقاش الإجهاض.. وقف للسِّرية واجتهاد ديني "ورجولة إيجابية"

0 تعليق ارسل طباعة

نقاشٌ جديد يأتي في إطار حملة لمنظمة العفو الدولية فرع المغرب، من المرتقب أن يمتد ثلاث سنوات، أولاها السنةُ الجارية، للتوعية بمخاطر الإجهاض السري على المرأة والطفل والمجتمع، والمطالبة بتقنين الوقف الاختياري للحمل بالمغرب.

وشاركت في هذا النقاش، الذي نُظّم مباشرة على صفحة “أمنستي المغرب” بموقع التواصل الاجتماعي “إنستغرام”، الباحثة في الدراسات النسائية نادية الشرقاوي، وسفيان هناني صاحب برنامج مسموع “بودكاست” مدافع عن “الرجولة الإيجابية”.

بين التحريم والحقوق الإنجابية

قالت نادية الشرقاوي إن “الحقوق الجنسية والإنجابية موضوع يتطلب إدخاله في سياستنا التعليمية، لا أن ننتظر وصول الشباب إلى سن معينة لتوعيتهم، وينبغي أن تتمّ التوعية بطريقة علمية، تأخذ بعين الاعتبار المستويات العمرية للتلاميذ، وهذا يدخل في دور الآباء ونساء ورجال التعليم، تجنبا لنمو أفكار مغلوطة ومشوهة عن الجنس الآخر، سواء لدى التلاميذ أو التلميذات، حيث يتربون عليها أطفالا، وتبقى معهم شبابا، وتكون المفاجأة عند الزواج”.

وأضافت المتحدثة “لا ننكر أن الإجهاض محرم في الدين الإسلامي والأديان الأخرى لأن فكرة قتل الجنين غير مقبولة، لكن هناك ظروفا أخرى تفرض الإجهاض في حالات استثنائية مثل الخطر على صحة الأم (…) ونحن نبحث عن حلول عندما نضطر إلى الإجهاض في حالات استثنائية”، علما أن “الإسلام لا يقتصر على التحريم في الإجهاض، وتختلف الآراء الفقهية بين من يرى بداية الإجهاض منذ النطفة (..) وفقهاء حددوها في فترة مقبلة هي ما يسمونه فترة نفخ الروح”.

ولدى حديثها عن “تحدي العدالة في الحقوق الإنجابية والصحية” أوضحت الشرقاوي أنه “إذا توفرت أسباب مقنعة يجب أن تكون هناك خلية لتنفيذ الإجهاض الآمن، بتضامن بين الفقه والقانون والطب، وأن يتم ذلك على يد طبيب متخصص يحمي صحة المرأة قبل العملية وبعدها”، بينما في الواقع “يجعلنا الصمت لا نحسم في الإجهاض بشكل تام، والتضارب بين الاتجاهات وعدم الإنصات وعدم البحث عن حلول وسطى تكون ضحيته النساء”.

هؤلاء النسوة قد يلجأن إلى “طرق تقليدية مثل الأعشاب أو الإجهاض السري، الذي لا يتم دائما في ظروف صحية جيدة، ويتعرّضن للابتزاز المالي، وانتقل الأمر من 2000 درهم إلى الملايين، بل توجد استثمارات في الإجهاض السري؛ وبالتالي يفتح الصمت الباب لمعاملات سرية، وينبغي أن نحقق العدالة الإنجابية ونحمي المرأة، ونحن لا نتفق مع الإجهاض الطبي خارج المراقبة الطبية”.

ومن بين ما قالته الباحثة أن هذه المسألة ينبغي أن تحسم “من طرف صناع القرار السياسي، ومنطلقنا ما قاله جلالة الملك حول مدونة في سنة 2004: “لن أحل حراما ولن أحرم حلالا”، وهذا مهم، وينبغي علينا الوقوف مع المدونة الفقهية في المذاهب الأربعة، التي تناولت الإجهاض والحمل غير المرغوب فيه، وحماية الأطفال وحقهم في الأبوة والتربية لإيجاد حلول من أجل إنشاء أسرة آمنة فعلا ومواطن آمن مستقر”.

وترى المتدخلة أن “الإجهاض ليس فتحا لباب الفساد والعلاقات خارج إطار الزواج، بل هناك من ليست لهم قدرة على الحمل بفعل السن والأمراض المزمنة، والقرار السياسي عليه خدمة هذه المصلحة (…) كما أن هناك مفاهيم مسيئة للمرأة لا تأتي من الإسلام، ولا يزال الوقت طويلا في الواقع لإيصال هذا الفهم إلى نساءِ في المجتمع، بصبر ومجهود، في العمل القروي، مثلا، الذي لا يحضر فيه العمل المدني كثيرا”.

وأبرزت أن المطلوب اليوم هو بذل “مجهود كبير ومتكامل حتى تصل الرسالة، وتُفهم وتُستوعب، حتى من طرف السيدة التي تريد أن تقوم بالإجهاض لتفهم مسألة التفكير في الحمل، وهل تريد فعلا القيام بالإجهاض، وتعرف مخاطره”، علما “أننا كنساء نمارس عقلية ذكورية مجتمعية، تعتبر أن الحمل غير المرغوب فيه مسؤولية المرأة وحدها، وهذا أمر غير عادل”.

وما الحل؟ تقول الباحثة بضرورة التعليم والتوعية المستمرة “حتى لا تفكر المرأة في الإجهاض السري أو التقليدي أو ترمي طفلها بعد الولادة في صندوق القمامة، أو تختفي من منطقتها حتى لا يُرى حملها بدل تحميل الرجل مسؤولية الجريمة التي قام بها، مع حماية حقوق الطفل بعد الولادة”، قبل أن تختم بالقول: “نحن مع حق الإجهاض بضوابط، أيا كان ديننا، ونحن مع الحق في الإجهاض في حالات استثنائية”.

الحقوق الجنسية والإنجابية تعني الجميع

سفيان هناني، مشتغل في المجال الطبي ومنتج بودكاست “ماشي رجولة”، الذي يعيد النظر في “مفاهيم الرجولة في المغرب” ويدافع عن “الرجولة الإيجابية ووقف الرجولة السامة والعنيفة التي لا تحترم حقوق النساء والحقوق بصفة عامة”، قال من جهته إن “الحقوق الجنسية والإنجابية تعني الجميع، رجالا ونساء، خاصة الشباب، وهي مرتبطة بالحق في الحماية والصحة العامة، والحق في المعلومة؛ وبسبب عدم وجود التربية الجنسية في المغرب يقع الكثير من الشباب في مشاكل كثيرة مثل الحمل غير المرغوب فيه، مع ما ينتج عنه من معاناة”.

وأضاف “يوجد اختلاف بين خطابنا وما نعيشه، ففي صفوف الشباب توجد علاقات جنسية خارج إطار الزواج، لكن بالموازاة في المدرسة والعائلة لا حديث ولا معلومة، ويوجد حرمان من المعلومة، وبالتالي حرمان من الحق في الحماية”.

ويرى المتدخل أن “الإجهاض مرتبط بالرجولة السامة، والدليل أنه ليس فقط في سياق الدول المسلمة، بل حتى في أمريكا وأوروبا والعالم مرتبط بهيمنة الرجال على أجساد النساء”، علما أن “الرجولة لا ينبغي أن تكون لها هيمنة على النساء وأجسادهن، وينبغي أن تتغير العلاقة إلى علاقة مبنية على الحوار والتضامن وحقوق الإنسان”.

وتابع قائلا: “لا ندافع عن الإجهاض، بل عن الحق في الإجهاض، في سياقات معينة، وللأسف حتى من يكونون ضده عندهم عجز عن الجواب بخصوص مواضيع مثل تهرب الرجال من الأبوة لأن الرجولة بمفهومها السائد تمنع هذا النقاش، وعلى الرجال السماع والفهم لا السيطرة على أرحام وأجساد النساء، والإجهاض مرتبط بسياقات معينة مثل شابة لا تريد أن تكون حاملا إما لأسباب تتعلق بالسن أو الاغتصاب أو هرب الأب”.

ودعا المتحدث إلى “إعادة النظر في الرجولة لأن هذا يقي من العديد من حالات الإجهاض، بعدم الاغتصاب، وعدم التهرب من المسؤولية، والإنصات إلى تجارب النساء”.

واسترسل قائلا: “الشابات والشباب ينبغي أن يكون لهم جزء كبير في نقاش الصحة الجنسية والإنجابية، ونظرتهم للدين، ويُنصت إليهم أكثر، ونحتاج قراءة نسوية وشبابية أكثر ليس في الدين فقط، بل في أمور أخرى، وهذا العالم نعيش فيه، ومن حقنا أن نشكل العالم الذي نريد أن نكون فيه، والرجال الإيجابيون إذا كانوا في منصب اتخاذ القرار، وكانوا قادرين على الإنصات إلى شهادات النساء والحقوق الجنسية والإيجابية، سيكون هناك بعد إنساني في القرارات السياسية”.

كما استحضر “دراسات سوسيولوجية، مثل دراسات فاطمة المرنيسي، تُظهر تطورا في العلاقات الجنسية والإيجابية بالمجتمع المغربي منذ السبعينيات إلى الآن، وتطورا في طريقة عيشِنا، وجنسياتنا في المجتمع، بينما الخطاب يحتاج شجاعة في ظل وجود خطاب الكراهية، الذي يمنع الحديث بأريحية في المجتمع”. وتأسف “لعدم وجود تطور في القوانين، ليس في الإجهاض فقط، بل في الحقوق الإنجابية والفردية، والقوانين التي لا تواكب سلوكنا كشباب اليوم في المجتمع، وهي قوانين رجعية، مع ما ينتج عنها من إجهاض بسبب غياب التربية الجنسية والتربية على الاحترام وحقوق الإنسان”.

وأضاف أن “التربية ضرورية، التربية الجنسية في المدرسة، التي ينبغي أن تتطور حتى سن ما قبل المراهقة، ضد العنف والاغتصاب، مع التوعية في كثير من الميادين، بما في ذلك في صفوف صناع القرار”.

وختم المتدخل مشاركته بالقول: “الإجهاض تقنيا مسألة تخص المرأة، ولا يمكن أن يسمح الرجل لنفسه، باسم الدين أو السياسة، بالحديث فيها، وله الحق في قناعاته، لكن ليس له حق التدخل في أجساد النساء، وعليه الاشتغال على نفسه بعدم ترك المرأة إذا وقع حمل غير مرغوب فيه، ثم يتحدث عن أنه ضد الإجهاض، وعدم القيام بسلوكات إجرامية مثل الاغتصاب”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق