البرمجة الهندسية والهندسة الاجتماعية: تلاقي التكنولوجيا مع السلوك الإنساني

0 تعليق ارسل طباعة

تخيل نفسك في عام 2040، حيث تعيش في مدينة ذكية تعمل بأنظمة معقدة تم تطويرها باستخدام أحدث تقنيات البرمجة الهندسية. كل شيء حولك منظم ومحمي بفضل التطورات التكنولوجية الهائلة، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. لكن خلف هذا العالم الرقمي المتقدم، توجد مجموعة من التحديات الأخلاقية والاجتماعية التي تتطلب توازنًا دقيقًا بين التكنولوجيا وسلوك الإنسان. هذا هو المكان الذي تلتقي فيه البرمجة الهندسية والهندسة الاجتماعية، لتشكيل مستقبل آمن ومستدام .

في عام 2014، تعرضت شركة Apple لأزمة كبيرة بعد تسريب صور خاصة لمشاهير في هجوم يُعرف بـ”Celebgate”. اعتمد هذا الهجوم بشكل كبير على الهندسة الاجتماعية من خلال التصيد الاحتيالي للحصول على كلمات المرور الخاصة بحسابات iCloud. كرد فعل، قامت Apple بتعزيز أنظمتها الأمنية من خلال البرمجة الهندسية المتقدمة، بما في ذلك تقديم ميزة التحقق الثنائي والتنبيهات الفورية لمحاولات الدخول غير المصرح بها. هذه الخطوات لم تكن مجرد تحسينات تقنية، بل كانت جزءًا من التزام أخلاقي لحماية خصوصية المستخدمين، مما يعكس كيف يمكن أن تساهم البرمجة الهندسية في تعزيز القيم الأخلاقية.

وفي هجوم Target في عام 2013، الذي استغل نقاط الضعف البشرية عبر الهندسة الاجتماعية للوصول إلى بيانات شركة طرف ثالث، مما سمح بسرقة معلومات 40 مليون بطاقة ائتمان، يُظهر كيف يمكن للهندسة الاجتماعية أن تتغلب على الحواجز التكنولوجية وكيف يمكن للبرمجة الهندسية أن تطور أنظمة قادرة على اكتشاف ومنع هذه الهجمات.

قال الله تعالى: “وَجَعَلْنَاهُ نُورًا لِلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَالَّذِي خَلْفَهُ إِنَّا كُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” [الأحزاب: 45].
التكنولوجيا ليست مجرد أداة مادية، بل يمكن أن تكون نورًا يهدي البشرية نحو الخير إذا استُخدمت بشكل صحيح، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال البرمجة الهندسية التي تُشكل العمود الفقري للتقدم التكنولوجي، ويمكن أن تطور أنظمة تعزز الشفافية والأمان، بينما تسعى الهندسة الاجتماعية إلى فهم وتحليل تأثير هذه التقنيات على سلوك الأفراد والمجتمعات وتوجيه السلوك البشري نحو ممارسات أكثر أخلاقية ومسؤولة.

من المتوقع أن تلعب البرمجة الهندسية دورًا متزايد الأهمية في بناء أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتي يمكنها التعرف على التهديدات الأخلاقية والاجتماعية ومعالجتها بفعالية،وفي إطار رؤية 2030، حققت المملكة العربية السعودية إنجازات بارزة في مجال البرمجة الهندسية والأمن السيبراني منها :

1. تأسيس الهيئة الوطنية للأمن السيبراني (NCA): لتعزيز الأمن السيبراني ووضع السياسات والمعايير لحماية المعلومات الوطنية.
2. إطلاق المركز الوطني الإرشادي للأمن السيبراني (NCSC): لتوعية الأفراد والشركات بمخاطر الهندسة الاجتماعية والهجمات السيبرانية.
3. مبادرات التعليم والتدريب: مثل برنامج “سايبر برو” الذي يستهدف تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية.
4. استضافة التمرين الوطني للأمن السيبراني: لتعزيز قدرات الجهات الحكومية والخاصة في التصدي للهجمات السيبرانية.
5. تطوير الأنظمة الذكية: بواسطة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA)، لتعزيز الأمن السيبراني باستخدام الذكاء الاصطناعي.

ويتجلى التداخل بين البرمجة الهندسية والهندسة الاجتماعية في تطوير البنية التحتية الرقمية ، حيث طورت مجموعة الاتصالات السعودية (STC) حلولًا أمنية تعتمد على البرمجة الهندسية للكشف عن التهديدات السيبرانية. هذه الحلول تعتمد على تحليل سلوك المستخدمين واكتشاف الأنماط الغريبة التي قد تشير إلى هجمات سيبرانية، مما يساعد في حماية المؤسسات والأفراد.

المملكة العربية السعودية تسعى لتحقيق هذا التوازن من خلال مبادراتها الوطنية التي تهدف إلى تطوير تكنولوجيا متقدمة تحترم القيم الإنسانية وتُعزز الأمان ،وفي هذا السياق، تحتاج إلى مواصلة الاستثمار في البحوث والتطوير لتطوير حلول مبتكرة تتماشى مع القيم الأخلاقية والاحتياجات الاجتماعية. هذا يشمل تعزيز التعاون بين الأكاديميين والممارسين في مجال البرمجة الهندسية والهندسة الاجتماعية لتطوير معايير جديدة ومعايير أخلاقية تدعم الابتكار المسؤول.

وكما قال عالم الكمبيوتر الشهير دونالد كنوت: “البرمجة ليست حول كتابة الشيفرة، بل حول خلق عوالم جديدة.” هذه العوالم يجب أن تُبنى على أسس قيمية وأخلاقية واضحة، مما يجعل البرمجة الهندسية والهندسة الاجتماعية شريكين أساسيين في صياغة مستقبل رقمي أكثر أمانًا وإنسانية.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ” نستلهم من الحديث الذي يبين أن الإحسان مبدأ يتجاوز المعاملات اليومية ليشمل جميع جوانب الحياة، بما في ذلك عالمنا الرقمي. . من هذا المنطلق، نجد أن تطبيق الإحسان في هندسة البرمجيات ليس مجرد خيار، بل هو واجب يعزز من جودة الحياة ويضمن استخدام التكنولوجيا لما فيه الخير العام، وهو ما يتماشى مع قيمنا الإنسانية والدينية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق