بدون عنوان: الدخول المدرسي في كفة الميزان.. جهود حكومية ومعاناة اجتماعية

0 تعليق ارسل طباعة

اطلبوا العلمَ منَ المهدِ إلى اللّحدِ. لكن طلبَ العلمِ ليس مَجَانيًّا، فالأسرُ المغربيةُ مثقلةٌ بمصاريفَ تتغيّرُ بتغيّرِ المؤسسةِ التعليميةِ والمستوى، وفرقٌ كبيرٌ ما بين تلك المحسوبةِ على القطاعِ العامِ وتلك المنتمية إلى القطاعِ الخاص. جهودٌ حكوميةٌ وتغييراتٌ طالتِ الدخولَ المدرسي لهذه السنة، إذ تم تعويضُ مبادرةِ “مليونِ محفظة” بدعمٍ ماليٍ مباشر، ناهيك عن إعفاءاتٍ ضريبيةٍ، فهل كانَت لهذهِ الإجراءات انعكاساتٌ مباشرةٌ على الأسر؟ وما تكلفةُ الدخول المدرسي ببلادنا؟.

أسر معسرة

آباءٌ وأمهاتٌ كل أملهم تعليمٌ جيدٌ لفلذاتِ أكبادهم، يبذلون الغاليَ والنفيس، وقلوبهم متطلعةٌ إلى ما سيحققهُ الأبناءُ من نتائجَ، وواقعُ الحالِ يتحدثُ عن مصاريفَ أثقلتْ كاهلَ الأسرِ متوسطةِ وضعيفةِ الدخل، فملءُ المحفظة المدرسية له متطلباتٌ كثيرةٌ، ناهيك عن مصاريفِ التسجيلِ وغيرها من المتطلباتِ التي باتتْ ضروريةً.

التقينا هشام بن ولي، أب لأربعة أطفال، تحدث عن ثقل تكلفة الدخول المدرسي عموما والمحفظة المدرسية خاصة، مؤكدا أن “إلغاء مشروع ‘مليون محفظة’ واستبداله بدعم مالي يقدر بمائتي درهم بالنسبة للمستوى الابتدائي و300 درهم بالنسبة للمستوى الإعدادي والثانوي مسألة محمودة، لكن تشوبها بعض المشاكل، من ضمنها أن الأسر ليست جميعها معنية بها”.

وأوضح بن ولي أن هناك “إشكال القدرة الشرائية للمواطن”، مؤكدا أنه “حتى إن لم تتغير أسعار الكتب بنسبة كبيرة إلا أن القدرة الشرائية هي نفسها بالنسبة للمواطن المغربي، في إطار ما يشهده من ارتفاع للأسعار، وفي ظل الأزمات التي يعيشها، وهو ما يظل عائقا أمام ولوج الأطفال إلى المؤسسات بشكل طبيعي”.

التحقَ أزيدُ من ثمانيةِ ملايينَ ومائة واثنى عشرَ ألفَ تلميذٍ بمدارسِ البلادِ بمختلفِ أسلاكها؛ من بينهم أكثرُ من مليونٍ ومائة وستة وثلاثينَ تلميذًا اختاروا مدارسَ خصوصية، فاختلفت تكاليفُ التمدرسِ ما بين العامِ والخاص.

التقينا نور الدين عكوري، رئيس فيدرالية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب، الذي أكد أن تكاليف التمدرس باتت مرتفعة، خاصة بالنسبة للأسر التي تتوفر على أكثر من طفل، موردا: “أحيانا يكون هناك ثلاثة أو أربعة أطفال جميعهم في سن التمدرس، وهو أمر صعب جدا”.

وقدر عكوري أن تكلفة المحفظة المدرسية في التعليم الابتدائي العمومي تتراوح ما بين 600 و700 درهم، في حين في التعليم الابتدائي الخصوصي تزيد عن 1700 درهم، وقد تتجاوز حتى 2000 درهم.

إجراءات حكومية

قررتِ الحكومةُ خلالَ الموسمِ الدراسيِ الحالي إلغاءَ مبادرة “مليون محفظة”، وتعويضها بمنحةِ الدخولِ المدرسي في إطار نظامِ الدعمِ الاجتماعيّ المباشر، التي استفاد منها أكثرُ من ثلاثةِ ملايين وثلاثة وخمسينَ ألفَ تلميذ، وواكبها أيضا تخصيص دعم مالي للناشرين للحفاظ على أسعار الكتب المدرسية بنسبة خمسةٍ وعشرين بالمائة منَ السعرِ المخصصِ لبيع الكتبِ المدرسية الموجهةِ إلى المستوياتِ التعليميةِ بالأسلاكِ الثلاثةِ.

تحدث عكوري عن عدد من هذه الإجراءات الحكومية، بما فيها الدعم المالي المباشر الذي تواكبه إعفاءات ضريبية، مؤكدا أن هذا الدعم “رغم أنه غير كاف لكنه يساعد الأسر شيئا ما”.

وأبرز المتحدث ذاته أن ما يُثقل كاهل الأسر ليس الكتب المطبوعة، بل اللوازم المدرسية، قائلا إن الأخيرة تُشكل حوالي 60 إلى 70 بالمائة من مكونات المحفظة، ومشيرا إلى أنه رغم الإجراءات الضريبية المتخذة إلا أنه “لا بد من المراقبة والتتبع من طرف مجلس المنافسة من أجل معرفة هل انعكست فعلا هذه الإجراءات على سعر البيع”.

حاولنا توجيهَ السؤالِ إلى المهنيين لمعرفةِ مدى انعكاس الإعفاء الضريبيّ والدعم على تكلفةِ المحفظةِ المدرسية، وهل فعلا أسهمَ في التخفيفِ من الثقلِ الذي تتحمُّله الأسر كل سنة.

التقينا كمال اليعقوبي، عضو المكتب التنفيذي للجمعية المغربية للكتبيين، الذي أكد بدوره أن دعم 200 درهم لتلاميذ الابتدائي قد يكون كافيا لاقتناء كل ما تحويه المحفظة المدرسية في المؤسسات العمومية، “في حدود المعقول وما هو عادي”، لكنه أبرز أنه “حين الحديث عن مستويات أكبر والإعدادي والثانوي فالأمر مغاير”.

وأورد اليعقوبي أن بعض المطبوعات في المواد العلمية بالتعليمين الابتدائي والثانوي يتجاوز ثمنها المائة درهم، وبالتالي فدعم 300 درهم لن يكون كافيا حتى لشراء مقررين أو ثلاثة، وتابع: “كتاب واحد لمادة الرياضيات في التعليم الثانوي يصل ثمنه إلى 195 درهما، وبالتالي فدعم بقيمة 300 درهم لهذه الفئة هو حيف بالنسبة لي”.

حديثُ المهنيِّ في ما يرتبط بمقررات المدارسِ الخاصة اختلف كليا، إذ تحدث عن تكاليفَ إضافيةٍ، ومقرراتٍ مغايرةٍ تفرضها عدد من هذه المدارس، ما يجعل ثمنَ المحفظةِ الواحدةِ يرتفع بشكل كبير، سواء تعلق الأمر بالسلكِ الابتدائي أو الإعدادي أو حتى الثانوي.

وتحدث اليعقوبي عن “أثمان خيالية”، قائلا: “أحيانا عندما نمنح الفاتورة لزبون من التعليم الخصوصي، برقم 1500 أو 2000 درهم، نجده يتساءل، كأننا قمنا بالنصب عليه، خاصة أن بعض الكتب المستوردة لا تحمل تسعيرة”.

وأكد المتحدث ذاته أن الكتبي أيضا يجد مشاكل شتى مع الكتب المستوردة، موردا: “في ظل التغييرات المتتالية حتى الكتبي يخسر، ويتحمل عبئها؛ فيما لا تكون هذه الكتب متوفرة أحيانا”.

القدرة الشرائية

تفاوتُ في الأرقام، في ظلّْ ثباتٍ للدخلِ المتوسطِ للأسر، ناهيك عن موجةٍ تضخميةٍ أدت إلى ارتفاعٍ كبيرٍ في الأثمان؛ بما يشمل المستلزمات الدراسية، ما جعل كفةَ الميزانِ لا تميل لصالح الأسر.

وفي هذا الإطار قال يوسف كراوي الفيلالي، خبير اقتصادي رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، إن “تكلفة محفظة مجهزة بالنسبة للأسر التي يتابع أبناؤها دراستهم في القطاع الخاص بالمرحلة الابتدائية تتراوح بين 1400 إلى 1700 درهم، في حين في مرحلة التعليم الإعدادي والثانوي فتكلفة محفظة مجهزة كمتوسط هي 2500، بينما بالنسبة لمن يتابعون دراستهم في مدارس البعثات الأجنبية فالتكلفة تصل حتى إلى 2500 بالتعليم الابتدائي، وفي مرحلة الإعدادي والثانوي تتراوح ما بين 4000 و6000 درهم”، وزاد: “أما بالنسبة للمدرسة العمومية فالتكلفة بالمرحلة الابتدائية تقدر بـ 500 درهم لكل محفظة مجهزة، ثم في مرحلة الإعدادي والثانوي تتراوح ما بين 800 وألف درهم”.

وأضاف الكراوي أن “الدخل المتوسط في المغرب تقريبا هو 6000 درهم صافية، لكن الطبقات المعوزة ومن لهم دخل ضعيف لا يصلون إليه، وهناك من يتقاضون ألفي درهم وألفين وخمسمائة درهم شهريا، وبالتالي يصعب عليهم توفير محفظة مدرسية للطفل بـ800 درهم”.

وأكد المحلل الاقتصادي ذاته أن “الدعم المخصص في إطار الدعم الاجتماعي المباشر يبقى ضعيفا جدا، خاصة أن تكلفة كتاب واحد تصل أحيانا إلى 200 درهم”، وأبرز أنه “في ظل الموجة التضخمية التي عاشتها البلاد خلال السنتين الماضيتين سجل ارتفاع مهول في الأثمان، وحتى الأدوات المدرسية شهدت ارتفاعا من 5 حتى إلى 10 بالمائة”، وزاد معلقا: “هذا الارتفاع هو تكلفة مباشرة يتحملها رب الأسرة”.

وأردف المتحدث ذاته: “بالنسبة لكل محفظة مجهزة يكون هناك ارتفاع من 5 إلى 10 بالمائة في الكتب والأدوات المدرسية؛ فرغم الدعم الذي خصصته الدولة للكتب المدرسية لبعض الناشرين إلا أن ما تبقى من الأدوات المدرسية شهدت ارتفاعا في الثمن يتحمله رب الأسرة”.

كما أكد الفيلالي أن “الدولة بذلت مجهودا في ما يتعلق بالنشر، إذ خصصت دعما للناشرين قدره 25 بالمائة من سعر الكتاب المعروض للنشر، شريطة أن يكون الكتاب ضمن موسوعة الكتب المصادق عليها من قبل وزارة التربية الوطنية، لكن هذه المنحة تهم فقط الكتب، أما الأدوات المدرسية الأخرى فلا جديد فيها”.

وفي ظل هذه الوضعية الاقتصادية الصعبة يُوصي المهنيون بضرورةِ رفقٍ أكثر بجيوبِ الأسرِ المغربية، خاصة من قبل المدارسِ الخصوصيةِ، وسطَ حديثٍ عن ضرورةِ تعزيزِ الشفافية والوضوح.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق