أساتذة يبسطون عوامل هجرة الطلبة من "أم العلوم" في الجامعات المغربية

0 تعليق ارسل طباعة

بالموازاة مع انطلاق الموسم الجامعي الجديد، أرجع أساتذة مادة الفلسفة هجرة الطلبة المغاربة من هذه الشعبة الجامعية إلى مجموعة من الأسباب والعوامل، من ضمنها آفاق دراسة “أم العلوم” وارتباطها التاريخي بالمناخ السياسي في المغرب، على اعتبار أنها اتخذت في وقت من الأوقات بمثابة “سلاح” لمواجهة بعض التيارات والإيديولوجيات التي كانت تتقوى في المجتمع، بعدما كانت مرفوضة في فترات سابقة لارتباطها بالتيارات الماركسية.

وإلى جانب معطى ضعف آفاق دراسة هذه الشعبة واقتصارها على “مهنة التدريس”، أكد الأساتذة الذين تحدثت معهم جريدة هسبريس الإلكترونية على أهمية العناية بهذه المادة وتدريسها لأبناء المغاربة في جميع مراحل تعليمهم، عوض الاقتصار على المرحلة الثانوية، تماشيا مع الرهانات المجتمعية من أجل تكوين أجيال واعية ومنتجة ومتسلحة بالفكر العقلاني.

في هذا الإطار، قال محمد الأشهب، أستاذ الفلسفة بجامعة ابن زهر بأكادير، إن “هجرة الطلبة المغاربة من شعبة الفلسفة يجد له تفسيرا في مجموعة من العوامل، أبرزها تراجع نسبة توظيف الخريجين من هذه الشعبة خلافا لما كان عليه الحال في أواخر التسعينات وبداية الألفية الثالثة”، مضيفا أن “الطلبة اليوم أصبحوا ينفرون من الشعب والتخصصات التي لا تحمل آفاقا على مستوى سوق الشغل، وهو ما دفعهم إلى التوجه إلى شعبة الإنجليزية التي تضم عددا كبيرا من الطلبة”.

وأوضح الأشهب، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الذين كانوا يلجون إلى شعبة الفلسفة كانوا في أغلبهم من أبناء الطبقات الشعبية، غير أن تقليص نسبة توظيف أساتذة هذه المادة في الثانوي ساهم في هجرها من طرف الطلبة”، مشيرا إلى أن “الفلسفة تم التعامل معها في السياق المغربي كأداة وليس كفكر”.

وزاد شارحا: “الفلسفة حوربت خلال فترة السبعينات لأنها كانت تعتبر فكريا راديكاليا ماركسيا، حيث تم توظيف الإسلام السياسي في محاربتها من خلال تقوية شعبة الدراسات الإسلامية التي كانت تضم جيشا من الطلبة، واستمرت هذه السياسة إلى أواخر التسعينات حيث رأت الدولة أن الحركات الإسلامية تقوت أكثر من اللازم، وفي ظل سياق حكومة التناوب وما بعدها، تم اللجوء مجددا إلى الفلسفة من أجل ضرب الفكر الجذري الإسلامي، لتجد الفلسفة نفسها في قلب حركة المد والجزر المرتبطة بضبط التوازنات السياسية والإيديولوجية”.

وشدد الأستاذ الجامعي ذاته على أن “تهميش مادة الفلسفة في السياق الحالي يمكن ربطه أيضا بتراخي الحركات الإسلامية، وبالتالي ترى الدولة أن لا حاجة لتقوية هذه المادة من أجل مواجهة التيار الإسلامي الذي تراجعت جاذبيته مقارنة بالسابق”، مؤكدا أن “تسييس تدريس الفلسفة والتعامل معها بمنطق سياسي لا يخدم المجتمع في شيء، لأن الأمر يتعلق بفكر وقيم أولا قبل أن يكون مادة، حيث إن الدولة يجب أن تهتم بتدريسها إذا كانت فعلا تملك إرادة سياسية لعقلنة المجتمع على غرار مجموعة من الدول التي تدرسها للتلاميذ في مستويات التعليم الدنيا”.

وبين محمد الأشهب أن “الإصلاح الجامعي الجديد أضاف ثلاث مجزوءات لتدريس الفلسفة لطلبة شعبة الدراسات الإسلامية من أجل عقلنة هذه الأخيرة، وهذا يؤكد أن الدولة مازالت تتعامل مع الفلسفة كأداة لمواجهة النزوعات من هذا النوع”، مشددا على أن “الفلسفة كانت قبل وجود الإسلام والماركسية، وهي تجلٍّ من تجليات الحضارة الإنسانية. وبالتالي، فإن هذا المنطق الأداتي لتدريسها متجاوز، حيث يجب أن يكون رهان التدريس رهانا مجتمعيا لتربية الناشئة على الفكر العقلاني وليس على محاربة هذا الطرف أو ذاك”.

من جانبه، أورد عبد اللطيف بوهرية، أستاذ باحث في الدراسات الفلسفية، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الحديث عن هذا الموضوع يتطلب في الحقيقة دراسات دقيقة. لكن في اعتقادي، فإن تراجع إقبال الطلبة على شعبة الفلسفة في الجامعات مرده إلى مجموعة من العوامل المتداخلة والمترابطة التي لا يمكن فصلها عن بعضها من أجل فهم وضعية الفلسفة والدرس الفلسفي داخل الجامعات المغربية”.

وأوضح بوهرية أن “هذا التراجع يمكن أن يفسر بالعديد من العناصر، منها طبيعة المادة نفسها التي يراها كثيرون معقدة ويزيدها تعقيدا ضعف الإقبال عن فعل القراءة والكتابة اللذين يعدان جوهر العمل الفلسفي، كما يمكن أن يفسر بمحدودية آفاقها، إذ لا تخول لحامل شهادتها الجامعية سوى الترشح لمباريات ولوج المراكز الجهوية للتربية والتكوين، عكس بعض الشعب الأخرى كالفرنسية والإنجليزية”، مضيفا أن “الفلسفة كانت في سياقات معينة مرفوضة لأنها تعري الواقع وترفض الجاهز وتحفز الفكر النقدي”.

وتابع المتحدث بأن “هذه الشعبة فقدت جاذبيتها عكس السابق لما كانت تستهوي العديد من الطلبة وتساهم في إثراء النقاش السياسي من داخل الجامعات، وهو ما أنتج لنا نخبا وخريجين متشبعين بالقيم الفلسفية وبحرية الاختيار، حيث إن تراجع الإقبال عليها انعكس سلبا على مستوى الطلبة ومستوى النقاش، ما أفرز لنا طلبة وباحثين تقنيين وغير منتجين ولا يمتلكون مناعة فكرية واستقلالية تمكنهم من المساهمة في النقاشات المجتمعية”.

وخلص بوهرية إلى أن “اقتصار تدريس مادة الفلسفة على المستوى الثانوي فقط يتطلب من الوزارة الوصية التفكير في آفاق تدريسها وتعميمها على باقي الأسلاك، أسوة بباقي البلدان التي اعتبرت تدريس الفلسفة منهج حياة، عبر الحديث عن تدريسها للأطفال بغية تكوين جيل قادر على التفكير المستقل”، معتبرا أن “كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت بشكل أو بآخر في تراجع الإقبال على الفلسفة التي كان يجب أن تدرس للتلاميذ المغاربة منذ نعومة أظافرهم لارتباطها برهان تكوين جيل واع ومنتج للأفكار”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق