الحسد في واقعنا المعاصر

0 تعليق ارسل طباعة

آراء حرة

د. عادل القليعى

د. عادل القليعى

السبت 31/أغسطس/2024 - 05:54 م

google news

موضوع جد مهم، بل ومهم جدا، آفة العصر وكل العصور، رذيلة بغيضة، حذَّرنا منها الله سبحانه وتعالى، وكذلك وردت أحاديث صحيحة عن النبي في هذا الأمر.
يا عباد الله، لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا يحقرن بعضكم بعضا، ولا يغتب بعضكم بعضا.
ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟!
الحسد من منكرات الأمور التي تضرب الأمة في صميمها، بل والتي من الممكن أن تخرب الدور العامرة.
النبي صلى الله عليه وسلم، تعرض للحسد، وتعرض للسحر، ومن الثابت عنه أنه كان يرقي ويحصن نفسه وآل بيته والحسن والحسين رضي الله عنهما، كان يحصن بالقرآن الكريم، وكان يقرأ بين كفيه المعوذتين، وقل هو الله أحد، وكان يمسح بكفيه على رأس الحسنين، بل وكان يقول: حصنتكما بذي العزة والجبروت، وعصمتكما برب الملكوت، ووكلتكما على الحي الذي لا يموت، اصرف عنهما الأذى إنك على كل شيء قدير.
وكان يحصنهما قائلًا: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.
هذه كانت تحصينات النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الرقى الشرعية الثابتة كتابا وسنة.
والحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير وعياذا بالله.
وصنوف وألوان الحسد كثيرة، منها من يحسد على نعمة المال، أن يعطي الله تعالى ما لا لأحد ويبسط له فيه ويزيده، فيقول الحاسد: لماذا هو معه وأنا لا؟ أوما يعلم هذا الحاسد أن المال قد يكون نعمة إذا استُغل في طاعة الله، وقد يكون نقمة إذا استخدم في المعصية؟ أوما يعلم هذا الحاسد أن رزقه مقدر له في عالم الذر قبل أن يولد؟ أوما يعلم أن رزقه ونصيبه من الدنيا سيأخذه تماما وكمالا من غير ذي نقصان؟
وقد يكون الحسد في الولد، كأن يهبك الذكور، ويهب الحاسد الإناث، أو حتي يكون الحاسد عقيما، وما أدراك لو رزقت بالأولاد هل سيكونوا صالحين يتقون الله، ام سيجلبون لك التعاسة والشقاء، لم تأخذ حظك من الولد فأبدلك الله صحة وعافية وأسبغ عليك من نعمه، فقد يرزقك زوجة صالحة تعينك علي تقوي الله تعالى وطاعته، وقد يرزقك الله بالصحة والعافية فتكون معافا صحيحا في بدنك لا تشتكي عللا، أما الآخر الذي نظرت إليه، ما أدراك بحاله قد يكون عليلا سقيما يحتاج إلي من يعوله، قد يكون فقيرا يحتاج إلي هذا الولد الذي يشد عضده به ويعينه علي نوائب الدهر، فلا تنظروا ولاتتبعوا بأعينكم الناس، فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
وقد يكون الحسد علي منصب وجاه وسلطان، أو ما يعلم الحاسد الحاقد أن المناصب تكليف وليست تشريف، أما يعلم هؤلاء الحسدة أن تولي المناصب هم يؤرق مضجع صاحبه بالليل فيجافي النوم عينيه، ويقضي نهاره كله في منصبه لا يلتفت لأولاده ولا لزوجه ولا لبيته.
فلماذا تحسدون هؤلاء علي كرسي يجلس عليه، الكراسي دوارة، على سيارة يركبها بسائق فلتحمد الله أنك تستطيع أن تمشي علي قدميك، فلتحمد الله أنك تخلد إلي النوم آمنا مطمئنا، أذكرك أيها الناقم الحاسد بحديث النبي في ما معناه، من بات آمنا في سربه معافا في بدنه يملك قوت يومه، فقد حاز الدنيا بحذافيرها.
أي فضل بعد هذا الفضل، تنام في بيتك وبيتك يسعك تداعب أهل بيتك، وأولادك، يلعبون حولك فرحين بك وأنت فرح بهم، فاشغل نفسك يا أخي بنفسك وبحالك ولاتنظر لما في أيدي الآخرين وارضي بما قدره الله لك وارضي بما قسمه الله لك وقل الحمدلله رب العالمين بنفس راضية مطمئنة تكن أغني الناس.
وقد يكون الحسد والعين حق في الزوجة، أن يهبك الله تعالي زوجة تقية نقية تحفظك في غيبتك، ودودة عطوفة ذات دين وخلق وذات حسب ونسب وذات جمالين جمال مادي وجمال روحي، فتنظر إليك عين الحاسد، ولماذا هو يتزوج بهذه وأنا أتزوج بهذه، فيأخذه الحقد والحسد بكيد المكائد ونصب الفخاخ للإيقاع بينكما، وقد يصل الأمر إلي الذهاب للدجلة والسحرة ومردة الإنس والجن، بل وقد يلجأ إلي التقنيات الحديثة بئست التقنيات هذه ويقوم بتركيب صورة وجهها علي منظر خليع واباحي، والعياذ بالله، من أجل ماذا هذا ولماذا؟!!
الزوجة الصالحة رزق من الله، وحتي إن كانت زوجتك أيها الحاسد دون ذلك فلتصبر عليها وتهذبها وتقوم سلوكها لعلها تكون سببًا في نجاتك بصلاح حالها، نجاتك من النيران لأنها ستصبح أما لأبناء قد يقودوا الدنيا كلها، فلا تقنط ولاتصب وابل اللعنات وعيونك الحاسدة علي الآخرين.
وقد تصيب عين الحاسد أهل العلم، وقد يكون الحاسد من أهل العلم أيضا، لكن تتفاوت المسألة، فهناك أهل علم يصلون بعلمهم إلي القلوب سواء علوم شرعية أو علوم دنيونية، فيوضع القبول لهذا دون ذاك، فيبدأ هذا الحاسد في الكيد تارة بالتحريض ضده، وتارة أخرى بإثارة الفتن حوله وضربه في علمه وأنه لا يعلم شيئ وأنه يتباهي بعلمه، ويبدأ في تدبير الالاعيب ضده، وقد يكون هذا العالم قد وهبهه الله تعالى محبة الناس ووهبه الله ملكة معينة فلاقي بها حظوة وقبولا، فتقوم القيامة ولا تقعد لماذا هو؟!ولماذا لا تجتهد أنت مثله لتصل لماذا لا تطرق الباب ألا تعلم أنه كتبت الإجابة لمن أدمن الطرق، اطرق الباب واسعي والله لن يترك عملك.
ألا تعلم أن الكفاح طريق ناجع للنجاح، كافح واجتهد وزد من قراءاتك وستصل لكن لاتنظر بعين الحاسد، فأنت لاتعلم كم المعاناة والتعب والسهر والجد والاجتهاد الذي وصل من خلاله هؤلاء إلي ما هم فيه، فدعوا الملك للمالك.
وللنبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح
لا حسد إلا في اثنتين -والحسد هنا بمعني الغبطة- رجل آتاه الله القرآن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار فيقول المغتبط ليتني مثله فافعل ما يفعله ونقول له ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء، جد واجتهد واحفظ القرآن، فهذا ليس حسد وانما غبطة،فرح بما فيه هذا الآخر، ورجل آتاه الله مالا يتصدق به فلا تعلم يمينه ما أنفقت شماله، فيقول ليتني مثله، ونقول له، الصدقة لاتقدر بقيمتها المادية وانما بما تدخله على المتصدق عليه من بهجة وفرح وسرور، فتبسمك في وجه أخيك صدقة، وإذا كانت نيتك صادقة مع الله تعالى فقد يعطيك مالا وفيرا فتتصدق به كيفما تشاء.
كنا قديما نسمع من أجدادنا وآبائنا مثلا، وماذا سيأخذ الحاسد من الرازق، نقول يأخذ والله علي الأقل يصيبك بالهم والحزن والنكد حتي في بيتك مع أولادك وفي عملك ومع جيرانك.
فيفرح لذلك بل وينظر إليك بعين الشماتة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن العين حقد، وإن العين تدخل الجمل القدر، وتدخل الرجل القبر، وهذا تعبير مجازي يدل دلالة ثبوتية علي وقوع الحسد.
فلا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عبادا ربانيين، ودوما، قولوا الحمدلله رب العالمين
ودوما تذكروا أنه لايقع في ملك الله إلا ما قدره الله تعالى، وكونوا عباد الله متحابين، ولا تنظروا إلى ما هو فوقكم منزلة وقدرا، فلا يعلم سريرته وما به وبحاله إلا الله، وإذا نظرتم فنظروا بعين الاعتبار والجد والاجتهاد لتصلوا إلي ما وصلوا إليه.
وانظروا إلي ما دونكم منزلة حتي تحمدوا الله تعالي علي فضله عليكم.
وكان فضل الله عليك عظيما.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق