البنية التحتية الرقمية قد تُعيد رسم خارطة سلاسل إمداد الطاقة عالميًا

0 تعليق ارسل طباعة

تحمّل قطاع الطاقة في السنوات الأخيرة أعباء التغلّب على تحديات غير مسبوقة، بدءًا من جائحة كوفيد-19 والصراع في أوكرانيا إلى عرقلة عمليات الشحن في البحر الأحمر. ولأن توفّر الطاقة الموثوقة يُعد حاجة أساسية لاستمرار حياة الناس ووظائفهم وتجارتهم، فإن مرونة وكفاءة سلاسل أمداد الطاقة يُعد أمرًا بالغ الأهمية في جميع أنحاء العالم مهما اكتنف هذه العملية من تعقيد.

ينشط مورّدون في نحو 130 دولة في مجال سلسلة الإمداد لقطاع النفط والغاز، ويتعيّن عليهم شحن المواد من جميع أنحاء العالم إلى مواقع محددة بدقة، وفي كثير من الأحيان وفق جداول زمنية ضيقة. ووفقًا لأبحاث أُجريت، مؤخرًا، فإن حُسن إدارة مخاطر سلسلة الإمداد يمكن أن يقلّل من التكاليف في القطاع بنسبة تصل إلى 15%. لهذا، لجأ العالم إلى حصد الفوائد الكامنة في زيادة الأتمتة وتحسين استخدام البيانات الآنية.

بالنسبة لنا في أرامكو السعودية، فقد بدأنا رحلة تحوّل رقمي لشبكاتنا الخاصة بسلسلة الإمداد، وقد أدى هذا إلى إنشاء سوق إلكترونية للموردين، و”برج مراقبة” للمشتريات وسلسلة الإمداد بهدف تحسين متابعة أعمال المنظومة بكاملها، وزيادة نسبة التشغيل الآلي إلى 99% في بعض إجراءات المشتريات الحساسة. ثم أنشأنا، مؤخرًا، أول توأم رقمي في سلسلة توريد النفط والغاز، مما وفّر للشركة ملايين الدولارات. وبقي أمامنا تحدي مواصلة مواكبة التقنيات الناشئة وتحديث منظومتنا للتوريد.

رقمنة سلسلة الإمداد
أنشأت أرامكو السعودية في عام 2018 سوقًا إلكترونية مؤتمتة للموردين. وأسهم ذلك في تغيّر ما كان سائدًا، إذ كان الموردون يقدمون عروضهم بالحضور شخصيًا إلى مكاتب أرامكو السعودية. أما الآن، تسهم هذه السوق الإلكترونية في جعل منظومة الأمداد أكثر كفاءة وسرعة. إذ تتيح للموردين تقديم هذه العروض إلكترونيًا، وهو أمر أثبت نجاحه منذ أن حالت جائحة كوفيد-19 دون تسليم العروض حضوريًا.

وفي خطوة متقدمة، قمنا بتسخير تقنية الأتمتة باستخدام الروبوتات لتسهيل أعمال المشتريات. إذ تؤدي هذه “الروبوتات” التي هي عبارة عن برمجيات أو أنظمة ذكاء اصطناعي المهمة آليًا. وقد مكّننا ذلك من تقليص مدة إجراءات المشتريات التي كانت تستغرق 30 يومًا إلى تسعة أو سبعة أيام.

أعقب إنشاء السوق الإلكترونية تدشين “برج المراقبة”، الذي يستخدم برمجيات سحابية مرنة وقابلة للتطوير والتكيف مع احتياجاتنا المتغيرة. ويسهم اقتران هذه التقنية بالذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات في تحسين مراقبة سلسلة الإمداد بنحو جذري، إذ يتيح الاستجابة الفورية لحالات التأخير أو التعطيل.

وفي عرض البحر والموانئ، توفّر أجهزة الاستشعار المُركّبة على السفن وداخل الحاويات معلومات محدثّة باستمرار، ونقل فوري للبيانات، ويمكّن وجود هذه المستشعرات إلى جانب أدوات التحليل من سرعة تحديد الإجراءات التي يجب اتخاذها. فعلى سبيل المثال، قد يكون من المنطقي، عند الاستجابة لحدث مفاجئ، تفريغ شحنة السفينة في الميناء ثم متابعة تسليمها جوًا أو استبدالها بشحنة أخرى جديدة. وأيًا كان الخيار الذي نتخذه، يمكننا إبلاغ العميل على الفور بالموعد الجديد لوصول الشحنة.

إضافة إلى ذلك، أصبح لدينا الآن توأمٌ رقميٌ لكامل عملية المشتريات وسلسلة الإمداد. والمفهوم الشائع عادة عن التوأم الرقمي هو أنه نسخة افتراضية من أصل مادي كآلات المعامل على سبيل المثال. ولكن التوأم الرقمي في قطاعنا هذا ينسخ عمليات الشراء بأكملها، من التنبؤ بحجم الطلب إلى التسليم النهائي للعميل.

ونظرًا إلى أن التوأم الرقمي قد أُنشئ باستخدام بيانات من جوانب سلسلة الإمداد، فإنه يستخدم الذكاء الاصطناعي لنمذجة السيناريوهات، مثل تقدير ما يطرأ على الطلب من تقلبات، كما أنه يقدم توقعات أكثر دقة حول ما قد تسفر عنه الأيام من أحداث، ويتيح لنا في الوقت نفسه الاستعداد للنتائج المستبعد حدوثها. وقد وفرت المرحلة الأولى، وهي مرحلة تقدير الطلب، ملايين الدولارات من خلال حُسن إدارة المخزون، ومن المنتظر توفير قدرات أكبر في المستقبل القريب.

ويعد التوأم الرقمي لأرامكو السعودية أول توأم رقمي لسلسلة توريد في قطاع النفط والغاز يغطي المشتريات والخدمات اللوجستية والمخزون وإدارة المستودعات. وقد تقدمنا بطلبات للحصول على أربع براءات اختراع لبعض عناصر النظام، بهدف تسويق نهجنا الرقمي في مجال المشتريات، ثم توسيع نطاق هذه التقنية لتشمل عمليات أخرى.

تخطي حدود تقنية المعلومات
حققت الرقمنة نجاحًا كبيرًا، فقد حققنا العلامة الكاملة (خمس درجات) للنضج الرقمي في تقييمات شركة غارتنر. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق التحوّل الرقمي بتحويل تقنية المعلومات وحدها، إذ يلزمنا إحداث تحول في العامل البشري أيضًا. وهذا التحويل يبدأ من القمة، وقد أكد رئيس أرامكو وكبير إدارييها التنفيذيين على أهمية التحول الرقمي في جميع أنحاء الشركة.

ومن منطلق ثقافة تطوير الموظفين في أرامكو السعودية، جرى تحديث مهارات العديد من الموظفين، وتزويد آخرين بمهارات أعلى لأداء مهمات جديدة، لضمان الاستفادة القصوى من أحدث الأنظمة الرقمية. كما امتد التدريب الرقمي ليشمل موردينا، مما مكّنهم من استخدام السوق الإلكترونية.

إننا ننظر إلى التحوّل الرقمي في أرامكو السعودية باعتباره رحلة مستمرة، من واقع أن التقنية في تطورٍ مستمر. لهذا، فمن المهم البقاء على اطلاع على أحدث المستجدات للتعرّف على الحلول الجديدة والناشئة التي يمكن أن تعزز كفاءة المشتريات وسلسلة الإمداد بفعالية أكبر. وفي عالم يعتمد على موثوقية إمدادات الطاقة، فإن وجود سلسلة قوية لإمدادات النفط والغاز أمر ضروري. وتعزيز هذه الشبكات الحيوية من خلال استخدام أحدث التقنيات ليس من باب الرفاهية بل هو أولوية قصوى للأعمال في قطاعنا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق