تعزيز الوعي المالي .. هدف استراتيجي لتحقيق التنمية الاقتصادية

0 تعليق ارسل طباعة

إن التنمية الاقتصادية هي مجموعة الإجراءات المستدامة والمنسقة التي يتخذها صناع القرار بهدف المساهمة في تعزيز مستوى المعيشة والصحة الاقتصادية للمنطقة المقصودة، وبحيث تشير إلى التغيرات الكمية والنوعية التي يشهدها الاقتصاد، وتكون عادة في صور عمليات مخططة وموجهة في مجالات متعددة تحدث تغييرا في المجتمع تؤدي إلى تحسين ظروفه وظروف أفراده من خلال مواجهة مشكلات المجتمع وإزالة العقبات وتحقيق الاستغلال الأمثل للإمكانات والطاقات، بما يحقق التقدم والنمو للمجتمع والرفاهية والسعادة للأفراد.

ولا شك إن الإنسان يجب أن يكون غاية التنمية الاقتصادية، كما هو وسيلتها، لذا فإن وضع التنمية المستدامة موضع الاهتمام والعناية عند صنع الاستراتيجيات الاقتصادية والسعي لتحقيق النمو، أمر مهم للإنسان وللمستقبل، إذ لا يمكن أن نعد النجاح الاقتصادي نجاحاً إن كان نموه اليوم يهدد استمراريته مستقبلاً، ومن أهدافها إن تقلل التفاوت في الدخول كهدف اجتماعي أصيل، فإن انقسام المجتمع إلى إما حالة من الغنى المفرط أو حالة من الفقر المدقع، وهو ما يضر بجودة الحياة وبصحة المجتمع ويسبب عيوباً عميقة في أنسجته ويعيق تقدمه.

إن الوعي المالي عنصر مهم وضروري بل ومن الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة إن كان على المستوى الفردي أو الوطني، فإدارة الأمور المالية بكفاءة يمكن الأفراد من اتخاذ قرارات مالية سليمة، ويوفر لهم الاستقرار المالي الشخصي، مما يقلل من المخاطر المالية الشخصية ويزيد من الاستقرار المالي، ويشبع الاحتياجات بفاعلية ويجنب الإفراط في اللهث خلف الرغبات غير المتزنة مع الإمكانيات والأوليات، كما يعزز الوعي المالي القدرة على التخطيط السليم للمستقبل الجيد، وبهذا يمكن القول أن الوعي المالي هو منهج حياة سلوكي يبدأ مع بداية وعي الفرد في مقتبل عمره ويستمر كاستراتيجية تقوده إلى حياة مستقرة، ومن الفوائد كذلك للفرد إذا استطاع محو الأمية المالية واكتساب التوعية المالية الكافية بالفعالة أنها تحقق له:

– تحسين القرارات المالية: بحيث يمكن للأفراد والشركات من إدارة دخولهم بشكل أنجع واتخاذ قرارات مالية أفضل تؤدي إلى تحسين حياتهم الاقتصادية، على سبيل المثال، يساعد الوعي المالي الأفراد على تجنب الديون غير الضرورية، واختيار المنتجات المالية المناسبة لاحتياجاته وظروفه المالية الشخصية، والحالة الاقتصادية.

– تعزيز الشمول المالي: يؤدي الوعي المالي لأن يصبح عدد كبير من الأفراد من كافة الشرائح الاجتماعية أكثر قدرة على الوصول إلى الخدمات المالية والاستفادة منها، مثل الحسابات المصرفية والقروض والتأمين، مما يدعم الاندماج الاجتماعي والتنمية. ويعزز الشمول المالي ويساهم في تقليل الفجوة الاقتصادية.

– تشجيع الادخار والاستثمار: مع ارتفاع مستوى الوعي المالي يكون الأفراد والشركات على دراية أفضل بكيفية إدارة أموالهم، يكونون أكثر قدرة على اتخاذ قرارات مالية ذكية مستنيرة، ويؤدي إلى ميل الأفراد إلى الادخار والاستثمار بشكل أكثر حكمة، مما يدعم نمو الاقتصاد ويزيد من الاستقرار المالي على المدى الطويل، وتوفير الدخل الساكن الأنجع بين أنواع الدخل، مما يعود بالفائدة على الاقتصاد ككل.

– دعم الاستقرار الاقتصادي: يساعد الوعي المالي على تعزيز الاستقرار الاقتصادي من خلال تقليل المخاطر المالية، مثل الأزمات الناتجة عن الديون المفرطة أو الاستثمار غير المدروس.

– تعزيز ريادة الأعمال: يساعد كذلك على فهم أفضل للمفاهيم المالية يمكّن رواد الأعمال من تخطيط وإدارة مشاريعهم بكفاءة أكبر، مما يؤدي إلى نمو اقتصادي أكبر وخلق فرص عمل جديدة.

– تقليل الديون الشخصية والمؤسسية: الوعي المالي الجيد يساعد على تقليل الديون غير الضرورية من خلال التوجيه نحو الاقتراض المسؤول وإدارة الديون بشكل فعال، مما يعزز الاستقرار المالي الشخصي.

– تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي: عندما تكون القرارات المالية مبنية على معرفة وفهم عميقين، يمكن تجنب العديد من الأزمات المالية سواء على المستوى الفردي أو الاقتصادي الوطني.

– الاستقلال المالي: تمكن التوعية المالية الأفراد من تحقيق استقلالهم المالي، مما يعزز قدرتهم على تحقيق أهدافهم الشخصية والمهنية.

– الحد من المخاطر المالية: تقلل التوعية المالية من تعرض الأفراد للمخاطر المالية، مثل الاحتيال المالي أو اتخاذ قرارات استثمارية غير مدروسة.

وتعزيز الوعي المالي كهدف استراتيجي له أهمية جمة في بناء مجتمع واعٍ ومتمكن ماليًا مما تصب إيجابياً في نمو الاقتصاد الوطني، ويعزز بفاعلية قدرته العالية في مواجهة التحديات الاقتصادية بأنواعها ويسهم في تحقيق النمو والازدهار، ومن الفوائد على الاقتصاد الوطني في حالة عم الوعي المالي واستطاع المجتمع محو الأمية المالية بين أفراده، وأصبحت الثقافة المالية الواعية سائدة بفاعلية في المجتمع، فإن ذلك يؤثر إيجابي على الاقتصاد الوطني، من ذلك:

– تعزيز الاستقرار الاقتصادي الوطني: تؤدي التوعية المالية إلى تحسين إدارة الأموال على نطاق واسع، مما يعزز الاستقرار الاقتصادي ويقلل من الأزمات المالية على مستوى الدولة.

– تعزيز روح الريادة الأعمال: إن الوعي المالي يسهم في يعزز روح ريادة الأعمال، بحيث يصبح الأفراد أكثر قدرة على إدارة مشروعاتهم بفعالية وكفاءة واستدامة، وهذا بدوره يساهم في خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الابتكار والتنافسية في الاقتصاد المحلي.

– زيادة معدل الادخار والاستثمار: عندما يكون المواطنون مدركين لأهمية الادخار والاستثمار، يزيد ذلك من رأس المال المتاح للاستثمار في الاقتصاد، مما يدفع عجلة النمو الاقتصادي.

– تقليل الاعتماد على الدولة: مع تزايد الوعي المالي، يقل اعتماد المواطنين على المعونات الحكومية، مما يخفف من الضغط على موارد الدولة.

– تحسين جودة الحياة: مع زيادة الوعي المالي، يتمكن المواطنون من تحسين جودة حياتهم من خلال التخطيط المالي الجيد، مما يؤدي إلى مجتمع أكثر استقراراً ورفاهية.

ومن فوائد ترسخ الثقافة المالية الناجعة بين أفراد المجتمع أنها تعود بالنفع على المستوى الاجتماعي، يمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية:

– تعزيز العدالة الاجتماعية: يساهم الوعي المالي في تقليل الفجوات الاقتصادية بين شرائح المجتمع من خلال تمكين الجميع من الاستفادة من الفرص المالية المتاحة.

– تقليل الفقر: يمكن للوعي المالي أن يكون أداة فعالة في مكافحة الفقر، حيث يساعد الأفراد على استغلال مواردهم المالية بشكل أكثر كفاءة وتحقيق مستوى معيشي أفضل.

– تعزيز التماسك الاجتماعي: عندما يكون الأفراد أكثر وعيًا ماليًا، يصبح المجتمع أكثر تماسكًا واستقرارًا، مما يقلل من التوترات الاجتماعية والنزاعات الناتجة عن الفقر أو الفروقات المالية، ويعزز من الانتماء والتناغم بين مكونات المجتمع وفئاته.

لتعزيز الوعي المالي كهدف استراتيجي ونهج حياة وسلوك واعي منضبط يستمر ما استمرت الحياة للفرد يمكن اتخاذ عدة خطوات فعالة، منها:

– التعليم المالي: وذلك بإدخال التعليم المالي في المدارس من خلال إدراج المناهج المالية في البرامج التعليمية في مراحل التعليم الأساسي والجامعي، لتعريف الطلاب بأساسيات الإدارة المالية، وفوائد تنويع وزيادة الدخل، وترشيد الإنفاق وفق الاحتياجات وليس الرغبات، وكيفية تأثير الادخار والاستثمار في تكوين الثروات، تقديم برامج تدريبية مستمرة وتنظيم ورش عمل وندوات توعوية لأفراد المجتمع عن الإدارة المالية، سواء من خلال المؤسسات الحكومية أو الخاصة أو القطاع الثالث، لتثقيف المجتمع بأهمية التخطيط المالي وكيفية تحقيق الأهداف المالية.

– التوعية عبر وسائل الإعلام: يمكن استخدام وسائل الإعلام المختلفة لنشر المعرفة المالية وتعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية الإدارة المالية السليمة، وفوائدها الجمة، إبراز النماذج الناجعة المحفزة للآخرين.

– التشجيع على الابتكار في المنتجات المالية: تطوير منتجات مالية مبتكرة تتناسب مع احتياجات الأفراد وتساعدهم على تحسين إدارتهم لأموالهم.

– التعاون بين القطاعين العام والخاص والقطاع الثالث: يجب أن يكون هناك تعاون وثيق بين الحكومات والمؤسسات المالية والجمعيات التعاونية والتنموية لتعزيز الوعي المالي من خلال السياسات والمبادرات المشتركة والفردية.

– استخدام التقنية لتعزيز التوعية المالية: من خلال تطوير تطبيقات ومنصات إلكترونية تقدم نصائح مالية، وأدوات للتخطيط المالي، ومعلومات حول كيفية إدارة الأموال بفعالية.

– الدعم الحكومي: الاستمرار في تقديم برامج دعم حكومية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير الاستشارات المالية للمواطنين لمساعدتهم في اتخاذ قرارات مالية سليمة، وتقييم المتوافر.

هذه الخطوات، تساهم في عملية التمكين لبناء مجتمع واعٍ ومتمكن ماليًا، قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق النمو والازدهار، وفي المملكة العربية السعودية، هناك عدة مبادرات وبرامج تهدف إلى تعزيز الوعي المالي بين المواطنين. من أبرز هذه المبادرات:

– برنامج “ريالي” للوعي المالي”: هذا البرنامج أطلقته مجموعة سدكو القابضة ويهدف إلى تعزيز الوعي المالي بين الشباب من خلال تقديم دورات تدريبية وورش عمل تغطي مواضيع مثل التخطيط المالي، وإدارة الديون، والاستثمار.

– مبادرة “ثقافة الادخار: أطلقتها مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) لتعزيز ثقافة الادخار بين المواطنين وتشجيعهم على تبني عادات مالية سليمة.

– مبادرة ” منهج الادخار ” ببنك البلاد، والذي يهدف إلى نشر ثقافة الادخار بين الموظفين في عدد من الوزارات والجهات الحكومية المشاركة في البرنامج، والتي تمت عبر عقد العديد من ورش العمل والتدريب لدعمهم وتحفيزهم في السعي الى تحسين إداراتهم لمالية، مما ينعكس على ازدهار النمو الاقتصادي وزيادة الإنتاجية والاستثمار وتحسين جودة الحياة.

– برنامج “مستقبلنا المالي: هذا البرنامج أطلقته هيئة السوق المالية ويهدف إلى تعزيز الوعي المالي بين الشباب والطلاب من خلال تقديم مواد تعليمية وتوعوية تغطي مواضيع مثل الاستثمار، وإدارة المخاطر، والادخار.

– مبادرة “التثقيف المالي”: أطلقتها وزارة التعليم بالتعاون مع عدة جهات حكومية وخاصة، وتهدف إلى إدراج مفاهيم الوعي المالي في المناهج الدراسية لتعزيز الثقافة المالية منذ الصغر.

– ورش العمل والفعاليات: هناك العديد من الفعاليات والورش التي تُقام في مختلف مناطق المملكة من قبل جهات حكومية وخاصة والقطاع الثالث، مثل تلك التي تناقش القضايا المحلية وتعزز التنافسية والابتكار، مما يسهم في نشر الوعي المالي وتعزيز روح المبادرة.

أن هذه البرامج والمبادرات تسهم في بناء مجتمع واعٍ ماليًا وقادر على مواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق النمو والازدهار، فإن هذه الجهود المتكاملة تهدف إلى بناء مجتمع واعٍ ومتمكن ماليًا، قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق النمو والازدهار.

ونخلص إلي أن تعزيز الوعي المالي هو هدف استراتيجي أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في أي مجتمع، وتعزيز الاستقرار المالي والاجتماعي والنفسي لأفراده من خلال المعرفة الواعي للأساسيات المتعلقة بإدارة الأموال واكتساب المهارات اللازمة في كل العمليات المالية من الدخل إلى الإنفاق إلى مرحلة الإذخار وصولاً لحسن الاستثمار، وكل ذلك ببناء تخطيط مالي شخصي سليم طويل الآجل يعرض لتقييم النتائج المرحلية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق