وجبة دسمة من الأرباح على حساب المستثمرين

0 تعليق ارسل طباعة

في مشهد يشبه أفلام هوليود، انكشف أحد أكبر فضائح التلاعب المالي في تاريخ سوق الأسهم المحلية.شركة “ريدان الغذائية”، التي كانت تعتبر محفزا للمستثمرين، تحولت فجأة إلى ساحة معركة دامية، حيث كشفت تحقيقات هيئة السوق المالية عن عمليات مخالفة للنظام ولوائحه نتج عنها تظليل المستثمرين، فكيف تحولت هذه الشركة من رمز للنجاح إلى مثال صارخ للمخالفات التي نتج عنها معاقبة 14 شخص من اعضاء مجلس ادارة الشركة ومنسوبيها بعقوبات مالية وتجنيب اموال بلغت قيمتها الاجمالية 128 مليون ريال اضافة الى سجن 4 منهم.

لم يكن تلاعب شركة ريدان الغذائية وليد اللحظة، بل كان نتيجة لتراكم العديد من العوامل. فمن جهة، كانت الشركة تواجه ضغوطاً شديدة للحفاظ على نموها السريع، مما دفعها إلى اتخاذ قرارات متهورة واستثمارات محفوفة بالمخاطر. ومن جهة أخرى، كانت هناك ثقافة داخلية تشجع على التستر على الأخطاء وتظليل المساهمين. وقد ساهمت هذه العوامل مجتمعة في خلق بيئة مواتية لعمل تلك المخالفات، حيث استغل بعض المسؤولين نفوذهم لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الشركة والمستثمرين.

شركة ريدان الغذائية تأسست في 1996 على يد عوض الله السلمي، وبدأت نشاطها في حي الصفا بجدة. على مدار 29 عامًا، شهدت الشركة نموًا وتوسعًا كبيرًا، حيث افتتحت العديد من الفروع داخل وخارج المملكة. في السنوات الأولى، حققت الشركة نجاحًا ملحوظًا وزادت إيراداتها بشكل مستمر. الا ان السنوات الاخيرة شهدت الشركة تراجعًا في الأرباح، حيث سجلت خسائر متراكمة بلغت 67.04 مليون ريال في نهاية عام 2020.

بدأت الشركة تواجه صعوبات مالية كبيرة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير على إيراداتها. في عام 2020، ارتفعت خسائر الشركة بنسبة 1650% مقارنة بعام 2019، حيث بلغت 83.34 مليون ريال. كما تراجعت إيرادات الشركة بنسبة 42% في نفس العام.

تم إدانة 14 من أعضاء مجلس إدارة ومنسوبي الشركة بمخالفة نظام السوق المالية وجميعهم من المؤسسين والمالكين الحقيقيين للشركة ولا اعرف عن البقية، حيث قاموا بأعمال وإجراءات أوجدت انطباعًا غير صحيح ومضلل بشأن قيمة الورقة المالية العائدة للشركة. هذا الاستغلال أدى إلى تدهور الكيان الاقتصادي للشركة بشكل كبير، مما أثر سلبًا على سمعتها وأدائها المالي.

شركة ريدان الغذائية تضم مجموعة متنوعة من الأنشطة والمرافق التي تدعم عملياتها. تشمل هذه المرافق مصانع تجهيز الأغذية، والمطاعم، والعقارات التجارية، ومرافق التموين..

على الرغم من النجاحات التي حققتها شركة ريدان الغذائية على مدار السنوات الطويلة، إلا أن سوء الإدارة والاستغلال المالي أدى إلى تدهور الشركة بشكل كبير. هذا التدهور يعكس أهمية الحفاظ على النزاهة والشفافية في إدارة الشركات لضمان استدامتها ونجاحها على المدى الطويل.

المراقب لنشاط الشركة سيرى الاتجاه إلى التلاعب لعدة أسباب محتملة، منها، تحسين الصورة المالية للشركة امام المستثمرين والجمهور، مما يعزز من قيمة الأسهم ويجذب المزيد من الاستثمارات وبالتلاعب بالقوائم المالية من تجنب الخسائر الفعلية، مما يعطي انطباعا بان الشركة في وضع مالي افضل، مما هي عليه في الواقع، اما الدافع وراء التلاعب هو تحقيق مكاسب قبل ان تتضح الحقيقة للجمهور، وفي الأحيان يكون الضغط المالي الكبير على الشركة دافعا للمسؤولين للجوء الى التلاعب كوسيلة مؤقتة للتغلب على التحديات المالية.

طبعا الحادثة التي أعلنتها هيئة سوق المال امس الأول عن المخالفات في شركة ريدان وتورط 14 من أعضاء مجلس ادارتها ومنسوبيها معظمهم من الملاك والمؤسسين، ليست الأولى في سوق المال السعودي، في 2006 تورط 6 متداولين في التلاعب بأسهم شركة تهامة للإعلان والعلاقات العامة، تم تغريمهم بمبلغ اجمالي قدره 278 مليون ريال، وهي اكبر عقوبة مالية في تاريخ السوق حتى ذلك الوقت، ثم قضية شركاء أبناء عبد الله عبد المحسن الخضري تتعلق بمشاكل مالية وإدارية أدت الى تصفية الشركة في عام 2021، كان راس مال شركة أبناء الخضري قبل التصفية اكثر من 557 مليون ريال، ومع ذلك تم تخفيض راس مال الشركة الى 188 مليون ريال كجزء من إجراءات إعادة التنظيم المالي للشركة، وتم تصفية الشركة وتغريم المخالفين نحو 102 مليون ريال بالإضافة الى منعهم من العمل في الشركات المدرجة لفترات تتراوح ما بين سنة وست سنوات.

اما الخسائر العظمى التي مني بها سوق الأسهم السعودية كان في 2006 حيث شهدت البورصة انهيارا كبيرا، وتسبب التلاعب بالأسهم وتشجيع الناس على الاستثمار بدون وعي في خسائر كبيرة للمستثمرين. هذه الفضائح تعكس أهمية الشفافية والنزاهة في السوق المالية لضمان حماية حقوق المستثمرين واستقرار السوق، ونحن هنا نتحدث عن فترات سابقة، حيث حققت هيئة السوق المالية انجازات كبيرة في احكام الرقابة وضبط المخالفين.

انما الشيء المؤسف والمحزن في قصة شركة ريدان، ان الشركة استولى عليها مجموعة من الأشخاص كان الناس يأتمنون على أموالهم لكونهم المؤسسين والمالكين، وسوف يحافظون على الشركة حتى تصبح من كبرى الشركات، وهي كانت ذات يوم نموذجًا للنجاح في قطاع المطاعم والخدمات الغذائية. إلا أن قصة هذه الشركة أخذت منحنى دراميًا ومفاجئ، حيث تحولت من شركة رائدة إلى مثال صارخ على التلاعب المالي.

من الواضح ان هناك عدة عوامل أدت الى هذا التحول، من أهمها النمو غير المتوقع وتوسع عملياتها، وكذلك ضعف الرقابة الداخلية، حيث لم تكن لدى الشركة آليات كافية للرقابة الداخلية على العمليات المالية مع غياب محاسبي صارم وشفاف سمح للإدارة بالتلاعب بالأرقام واخفاء الخسائر، ودفعت المكافآت المرتبطة بأداء بعض المديرين التنفيذيين الى التلاعب بالأرقام لتحقيق مكاسب شخصية على المدى القصير، كما استغل بعضهم، معلومات داخلية للتداول في اسهم الشركة، مما زاد من حدة الصراع بين المصالح الشخصية ومصالح الشركة، ولعل من اهم الدوافع التي ساهمت في نمو الاحتيال داخل الشركة هو انه سادت ثقافة التستر على الأخطاء والمشاكل، كان هناك تخوف من الإبلاغ عن أي مخالفات، مماساهم في استمرار الممارسات غير المشروعة.

الان وقد وقع الفأس في الراس وهناك مساهمين صغار وبسطاء قد ضاعت حقوقهم ومدخراتهم واحلامهم، رغم ان هيئة السوق المالية قد اشارت في بيانها مع اعلان خبر المدانين، انه يحق للمتضرر من المخالفات محل هذه الدعوى التقدم إلى لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية بدعوى فردية أو جماعية ضد المدانين للمطالبة بالتعويض عن الضرر من هذه المخالفات، على أن يسبق ذلك تقديم شكوى إلى هيئة السوق المالية بهذا الشأن، وهذا يجعلنا نتساءل ماهي الخطط الوقائية لحماية حقوق المساهمين وإنقاذ الشركة من الإفلاس، وماهي اهم استراتيجيتها؟

هناك من يرى ان إعادة هيكلة الديون والتفاوض مع الدائنين وتمديد فترات السداد او تخفيض الفوائد او يتم اصدار اسهم جديدة او جذب مستثمرين جدد لزيادة راس المال وتوفير السيولة اللازمة، مع تعيين فريق إدارة جديد ذو خبرة، يمكن ان يساعد في تحسين الأداء المالي، وربما اللجوء الى إجراءات التسوية الوقائية التي تتيح للشركة إعادة ترتيب اوضاعها المالية والنهوض من جديد.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق