«إدارة حوارات».. لماذا رفضت نقابة الصحفيين بعض مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد؟

0 تعليق ارسل طباعة

كانت نقابة الصحفيين واضحة منذ البداية، عندما أعلنت عن تضامنها مع نقابة المحاميين فيما يخص الاعتراض على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي يناقش، حاليًا، بلجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب.

وفي غضون تأكيد نقابة الصحفيين على أن قانون الإجراءات الجنائية يمثل أساس للعدالة ولحقوق وحريات الفرد والمجتمع، كان اعتراضها صريحًا وأكثر خصوصية على إحدى المواد التي رأت النقابة أنها تمس العمالة الصحفي وحرية الدور الذي يمارسوه الصحفيون والمنتمين إلى المهنة.

نقابة الصحفيين تعترض على عدد من مواد قانون الإجراءات الجنائية الجديد

في بين مستفيض لها، بينت نقابة الصحفيين السبب الرئيسي لرفضها لبعض نصوص مشروع قانون الإجراءات الجنائية والتي جاءت المادة 267 في مقدمتها، لما تحتوي على نص صريح يقيد العمل الصحفي من جهة، ونص آخر يمكن اعتباره أنه "عبارة مطاطة" تحتمل التأويل.

وتنص المادة 267 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وهي مادة مستحدثة على أنه لا يجوز نشر أخبار، أو معلومات، أو إدارة حوارات، أو مناقشات عن وقائع الجلسات، أو ما دار بها على نحو غير أمين، أو على نحو من شأنه التأثير على حسن سير العدالة.

ويحظر تناول أي بيانات، أو معلومات تتعلق بالقضاة، أو أعضاء النيابة العامة، أو الشهود، أو المتهمين عند نظر المحكمة لأي من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون رقم (94) لسنة 2015م.

ويعاقب كل مَن يخالف أحكام هذه المادة بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (186) مكرر من قانون العقوبات).

فيما نصت المادة 186 مكرر  وهي (مضافة بالقانون 71 لسنة 2021) على أنه "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يُعاقب بغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه كل من صور أو سجل كلمات أو مقاطع أو بث أو نشر أو عرض بآى طريق من طرق العلانية لوقائع جلسة محاكمة مخصصة لنظر دعوى جنائية بدون تصريح من رئيس المحكمة المختصة، وبعد أخذ رأى النيابة العامة. ويُحكم فضلاً عن ذلك بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، أو ما نتج عنها، أو محو محتواها، أو إعدامه، بحسب الأحوال، وتُضاعف الغرامة في حالة العود".

الصحفيين تتهم مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد بالتضييق على العمل الصحفي

وألمحت نقابة الصحفيين إلى التبرير الصادر عن البعض بأن المادة المستحدثة بالقانون الجديد تماثل المادة 186 مكرر بقانون العقوبات واللائي سبق الإشارة إليهما، مشيرة إلى أن هذا التبرير ليس في محلة،  أي قراءة دقيقة لنص المادتين ستكشف مجموعة من الحقائق التي تؤكد أن المادتين تأتيان في سياق التضييق على العمل الصحفي وتقييد حرية الصحفيين، بل أن المادة الجديدة تأتي وكأنها استكمال لمهمة أسست لها المادة السابقة، خاصة أن مراجعة بسيطة ستكشف أن مادة قانون العقوبات، مادة مستحدثة تم صياغتها وإقرارها قبل 3 سنوات وفي ظروف أجمع كل الأطراف على أنها إستثنائية.

النقابة أشارت إلى أنه بمراجعة تاريخ إقرار المادة 186  مكرر من قانون العقوبات ستجد أنها صدرت في 23 يونيو 2021  وفي وقت اعترفت الحكومة نفسها بأنه كان امتداد لوضع استثنائي وظروف استثنائية، انتهت بالدعوة للحوار الوطني  في مارس 2022، وهو ما دفع  الرافضون لاقرار هذه المادة لاعتبارها بمثابة حجب للمعلومات ومصادرة للحق في المعرفة مشددين على أن نص المادة يقيد ويحد ويخالف نص المادة 187 من الدستور الصريح بعلانية المحاكم، التي أتاحها المشرع للكافة دون إذن من رئيس المحكمة أو النيابة العامة.  حيث جاء النص الدستوري الصريح ليؤكد على أن “جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية”.

وذكرت النقابة أنه بينما يتم الحديث عن نهاية هذا الوضع الاستثنائي وإقرار قوانين وتعديلات جديدة للخروج منه، مثل مناقشة إقرار قانون لحرية تداول المعلومات وتعديل القوانين المنظمة للصحافة والإعلام ضمن مطالبات توسيع مساحات التغطية الصحفية والإعلامية وتحريرها، جاء نص المادة 267 من مشروع قانون الاجراءات الجنائية بمثابة استكمال لمهمة تقييد لحرية النشر بدأتها تعديلات قانون العقوبات عام 2021 ليخرج اطار التجريم عن حدود نقل الجلسات ونشرها إلى العمل الصحفي خارجها سواء في شكل حوارات أو مناقشات تتعلق بها، طبقا لنص المادة المستحدثة ليمتد اطار التجريم إلى مجمل العمل الصحفي المتعلق بالمحاكمات خاصة وأن التجريم هنا استند إلى عبارات مطاطة،لا يجوز قياسها، وهو ما جاء  النصف الثاني من المادة ليكرسه بالكامل،  في مخالفة صريحة لنصوص الدستور عن حرية العمل الصحفي وعلانية المحاكمات.
وأوضحت أنه يزيد من تعقيد الأمر أن المادة تأتي في سياق مشروع قانون الاجراءات بكل ما عليه من ملاحظات وما يثيره من مخاوف حول النيل من الحقوق والحريات وتقويض بنيان نظام العدالة، وهو ما يقتضي منا التوقف والتمهل لمناقشة تفصيلية للقانون وطرحه لنقاش مجتمعي جاد، فصياغة القوانين هي انعكاس لتطور المجتمعات. وحاجتها للارتقاء، والرسالة هنا ستعطي إشارة سلبية وستكون آثارها وخيمة على الجميع.

وفي هذا الإطار، دعت النقابة لإعادة طرح مشروع القانون للنقاش وأن نعمل جميعا على خروج القانون بشكل يصون حقوق المجتمع، ويكفل الضمانات اللازمة لحقوق المواطنين بإجراءات قضائية عادلة وفق نصوص مجردة وواضحة غير قابلة للتأويل.

تخفيض مدد الحبس الاحتياطي

وجدد النقيب الدعوة لإعادة النظر في مشروع القانون بشكل عام وفي المواد المتعلقة بالحبس الاحتياطي به، وتخفيض مدده إلى 3 أشهر في الجنح، و6 أشهر في الجنايات، مع ضرورة وجود مواد تمنع تكرار الحبس بنفس الاتهامات على أكثر من قضية، بحيث لا يجوز حبس المتهم في قضية أخرى بُني الاتهام فيها على نفس الوقائع والأدلة المقدمة في القضية، التي استنفدت مدد الحبس الاحتياطي المقررة لها، أو فترات الاتهامات.

ويبقى أن تعديل مواد الحبس الاحتياطي لن يكتمل إلا بقانون إجراءات قائم على فلسفة واحدة تضمن حقوق الأفراد والمتهمين، ويؤكد وجود إرادة سياسية حقيقية للتغيير وإنهاء الممارسات، التي ساهمت في تعميق الأزمة المجتمعية.
وشدد على أهمية قانون الإجراءات الجنائية تكمن في أنه  العمود الرئيسي لمنظومة العدالة ودستورها.. فضلا عن أنه سيظل أحد أركان حماية وصون حقوق وحريات الأفراد والمجتمعات في جميع مراحل التقاضي، وأي خلل يناله سيقوض أعمدة هذه المنظومة وسيتسبب في النيل من ثقة المواطنين في نظام العدالة. وهو ما يقتضي منا جميعًا أن يتم طرحه لنقاش جاد وتفصيلي تشارك فيه جميع الأطراف والمؤسسات المعنية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق