المادة المظلمة تتجلى لأول مرة أمام علماء الكون الأكبر وتغير فهمنا للفضاء

المادة المظلمة التي تشكل أكثر من 25٪ من الكون ظلت لغزاً غير محلول لعقود طويلة، حتى اقترب فريق بحثي من جامعة جونز هوبكنز ومعهد لايبنيز لفيزياء الفلك في ألمانيا من كشف سر وجودها ورصدها بطريقة غير مباشرة عبر تحليل توهج أشعة غاما في مركز مجرتنا درب التبانة.

رصد وتوزيع المادة المظلمة في مجرة درب التبانة

قام الباحثون بتحليل بيانات من التلسكوب الفضائي فيرمي التابع لوكالة ناسا، حيث لاحظوا توهج أشعة غاما غامض في مركز مجرة درب التبانة لا يمكن تفسيره عبر المصادر المعروفة مثل النجوم أو الغاز، ما دفعهم لربط هذا التوهج بالمادة المظلمة، تلك التي لا تصدر طاقة يمكن رصدها مباشرة مثل المادة المألوفة. باستخدام حواسيب فائقة ومعادلات دقيقة، رسم الفريق خريطة لتوزع المادة المظلمة في المجرة، مع الأخذ في الاعتبار تاريخ تشكل المجرة منذ مليارات السنين.

وقد بينت هذه النماذج أن مجرة درب التبانة نشأت داخل سحابة ضخمة من المادة المظلمة، حيث انجذبت المادة العادية نحو المركز وسحبت معها جزءًا من المادة المظلمة مما أدى إلى زيادة كثافتها وعدد التصادمات بينها في قلب المجرة. وعند مقارنة هذه المحاكاة مع صور التلسكوب فيرمي، أُثبت تطابق موقع المادة المظلمة المتوقع مع المصدر الحقيقي لتوهج أشعة غاما، مما يعزز الفرضية بأن هذا التوهج هو من آثار المادة المظلمة.

دور التوزيع غير الكروي للمادة المظلمة في توهج أشعة غاما

أوضح الدكتور موريتس مورو من معهد لايبنيز أن أحد أسباب الشكوك التي أثيرت سابقًا تجاه فرضية المادة المظلمة كان ناتجًا عن عدم تطابق النماذج السابقة مع التوزيع الفعلي لأشعة غاما؛ إذ كان الافتراض السائد أن المادة المظلمة موزعة بشكل كروي مثالي حول مركز المجرة، بينما أظهرت المحاكاة الجديدة أن المادة المظلمة توزعها أكثر تسطحًا. وبهذا التصور الجديد، أصبح تفسير التوهج الطاقي المرصود أكثر منطقية ومتسقة مع البيانات.

كما أكد البروفيسور جوزيف سيلك من جامعة جونز هوبكنز أن هذه النتائج تمثل خطوة نوعية نحو إثبات حقيقة المادة المظلمة، باعتبارها العنصر الأساس الذي يمنح المجرات تماسكها ويتحكم في هيمنة الكون. وأشار إلى أن الضوء الزائد المرصود في مركز مجرتنا يمكن أن يكون الدليل الأول الذي يقودنا إلى كشف حقيقة هذه المادة الغامضة.

الإشارات المستقبلية وأمل اكتشاف المادة المظلمة بشكل قاطع

بينما لم يعد هذا الاكتشاف دليلاً قاطعاً حتى الآن، إلا أن فرضية ارتباط التوهج المرصود بالمادة المظلمة تزداد ترجيحًا، مع استبعاد الدور المحتمل للنجوم النابضة كما كان يُعتقد سابقًا. ويأمل العلماء في أن يساهم مرصد تشيرينكوف الجديد في تشيلي، الذي سينفرد بكونه أقوى تلسكوب لأشعة غاما في العالم، في حل هذا اللغز العلمي عبر التمييز بين الإشعاع المنبعث من المادة المظلمة وتلك النجوم النيوترونية.

  • مراقبة أكبر عدد ممكن من المجرات القزمة المجاورة لرصد نفس الإشارة
  • تطوير نماذج محاكاة أكثر دقة لتوزيع المادة المظلمة
  • استخدام تقنيات متقدمة لفصل الإشعاعات الكونية المختلفة

إن رصد الإشارة نفسها في مجرات أخرى سيقربنا أكثر من تأكيد وجود المادة المظلمة كحقيقة كونية تسكن مركز المجرات وليست مجرد فرضية علمية. يبقى هذا التحقيق العلمي من أهم محطات فهم تركيب الكون ورصد مكوناته الأساسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ما قد يفتح أمامنا آفاقاً جديدة في علم الفلك والفيزياء الفلكية.

العنصر الشرح
المادة المظلمة مادة تشكل أكثر من 25٪ من الكون ولا تصدر طاقة مرئية
توهج أشعة غاما وميض عالي الطاقة ناتج عن تصادم جزيئات المادة المظلمة
تلسكوب فيرمي أداة فضائية لرصد أشعة غاما ومصدر التوهجات الكونية