روسيا تخرج من دائرة الهيمنة في سوق الطاقة العالمي بعد حرب أوكرانيا، حيث يشهد هذا القطاع تحولات جذرية غير مسبوقة على مستوى النفط والغاز، مع تراجع نفوذ موسكو بعد عقوبات غربية متلاحقة وإعادة توجيه أوروبا لمصادر الطاقة. يمكن اعتبار ما يحدث اليوم عودة إلى ما قبل مرحلة بريجنيف، حين كان جسر الطاقة بين روسيا وأوروبا متيناً على مدى نصف قرن، لكنه الآن في طور التفكك تحت ضغط سياسي واقتصادي قادته الولايات المتحدة والنرويج ودول أخرى.
العقوبات الغربية وتأثيرها على خروج روسيا من دائرة الهيمنة في سوق الطاقة العالمي
فرضت الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب عقوبات مشددة على أكبر شركات النفط الروسية “روسنفت” و”لوك أويل”، والتي دخلت حيز التنفيذ الكامل في 21 نوفمبر، محولة شحنات النفط الروسي إلى “براميل عالية المخاطر” حتى بالنسبة لشركاء واشنطن التقليديين. العقوبات الأميركية لم تقتصر على تعطيل البنية التحتية اللوجستية، بل ضربت الهيكل الإداري لصناعة النفط والغاز الروسية، مما أدى إلى توقف شبه كامل في حركة التصدير وإعاقة ضخمة في العمليات الإنتاجية، ما يعكس مدى تأثير تلك العقوبات في عملية خروج روسيا من دائرة الهيمنة في سوق الطاقة العالمي.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي لنزيف عائدات النفط والغاز وتأثيره على خروج روسيا من دائرة الهيمنة
تسبب تصاعد العقوبات في انخفاض عائدات روسيا من صادرات النفط والغاز بما يقارب الثلث خلال نوفمبر مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وهي أدنى مستويات منذ اندلاع الحرب في 2022. التراجع طال مشتريات دول كبرى مثل الهند وتركيا والبرازيل، الأمر الذي أدى إلى تراكم كميات كبيرة من الشحنات دون مشترين، واضطر الكرملين لمنح خصومات كبيرة بهدف التخلص من المخزون المتراكم. تزامن هذا الانخفاض في العوائد مع تسارع شركات روسية مثل “لوك أويل” في بيع أصول دولية بقيمة تجاوزت 22 مليار دولار قبيل انتهاء الإعفاء الأميركي المؤقت في ديسمبر، مما يفتح الباب أمام شركات غربية للاستحواذ على مواقع استراتيجية في مناطق متعددة مثل العراق وكازاخستان وأذربيجان وحتى المكسيك وإفريقيا، دلالة واضحة على تسارع خروج روسيا من دائرة الهيمنة في سوق الطاقة العالمي.
تحولات جذرية في خريطة الطاقة الأوروبية ودورها في تعزيز خروج روسيا من دائرة الهيمنة العالمية
شهدت أوروبا الشرقية تحولات جوهرية حيث استولت حكومات بلغاريا ورومانيا ومولدوفا على أصول وشركات طاقة روسية أساسية، مع تقليص الاعتماد على النفط الروسي باستثناء استثناءات مؤقتة في المجر وسلوفاكيا. على صعيد الغاز، سجلت صادرات “غازبروم” نحو أوروبا خلال أول عشرة أشهر من 2025 حوالي 14.7 مليار متر مكعب، وهو ما يقل عن صادرات عام 1975. بالإضافة إلى ذلك، تكبدت الشركة خسائر فادحة بلغت 1.076 تريليون روبل في 2024. في الوقت نفسه، أصابت الطائرات المسيرة الأوكرانية وحدات التكرير الروسية الحيوية، ما تسبب في توقف 17% من طاقة التكرير وتراجع صادرات المنتجات المكررة بمقدار نصف مليون برميل يوميًّا مع انخفاض صادرات البنزين إلى الصفر لأول مرة. مشاريع موسكو للإنقاذ عبر خط “قوة سيبيريا 2” نحو الصين باءت بالفشل نتيجة لفرض بكين أسعاراً منخفضة، وتعطيل مشروع المركز التركي لإعادة بيع الغاز إثر اعتراض الاتحاد الأوروبي وشروط أنقرة المشددة.
في المقابل، تنوعت مصادر أوروبا للطاقة، حيث أصبحت الولايات المتحدة أول مزود للغاز المسال، واستحوذت النرويج على 60% من احتياجات ألمانيا عبر الأنابيب، فيما عززت قطر مكانتها كشريك موثوق، وبرزت أذربيجان بالممر الجنوبي للغاز الذي مرجح أن يضاعف إمداداته إلى 20 مليار متر مكعب بحلول 2027.
| العام | صادرات غازبروم إلى أوروبا (مليار متر مكعب) |
|---|---|
| 1975 | أعلى من 14.7 |
| 2025 | 14.7 |
- انخفاض صادرات النفط الروسي إلى أدنى مستويات تاريخية
- تزايد عمليات بيع أصول الطاقة الروسية دولياً
- تحكم متزايد لأوروبا في مصادر الطاقة البديلة
- خسائر مالية ضخمة لشركات الطاقة الروسية مثل “غازبروم”
- تعطيل متكرر للمصافي الروسية عبر هجمات الطائرات المسيرة الأوكرانية
من دون شك، يعكس حظر الاتحاد الأوروبي القادم في يناير 2026 للمنتجات المكررة القادمة من “دول ثالثة” خطوة حاسمة لإغلاق ثغرة التصدير عبر الهند وتركيا، ما يعني فقدان روسيا آخر طريق للوصول إلى الأسواق الغربية التي تحمل عوائد مالية كبيرة، معلناً عن تحولات نوعية غير مسبوقة في سوق الطاقة العالمي ترسم ملامح خروج روسيا الفعلي من معادلة الهيمنة بعد حرب أوكرانيا.
