المادة المظلمة الغامضة التي تشكل أكثر من ربع الكون ظلت لغزًا حير العلماء لعقود طويلة؛ لكن الباحثين في جامعة جونز هوبكنز ومعهد لايبنيز لفيزياء الفلك بألمانيا يعتقدون أنهم اقتربوا أخيرًا من فهم طبيعتها. على الرغم من عدم إصدار هذه المادة أي طاقة يمكن رصدها بالتلسكوبات، اكتشف العلماء أنها عند تصادم جزيئاتها تنتج وميضًا قويًا لأشعة غاما، النوع الأكثر طاقة من الإشعاع الكوني.
الارتباط بين توهّج أشعة غاما والمادة المظلمة في قلب مجرة درب التبانة
تحليل بيانات التلسكوب الفضائي “فيرمي” التابع لناسا كشف عن توهّج غامض لأشعة غاما في مركز مجرتنا درب التبانة، لا يمكن تفسيره عبر أي مصادر فلكية معروفة. من هنا انطلقت فرضية الباحثين أن هذا التوهّج قد يكون دليلًا مباشرًا على وجود المادة المظلمة التي تخبئ نفسها في مركز المجرة؛ حيث استخدم فريق البحث حواسيب فائقة لرسم خريطة توزيع المادة المظلمة ضمن درب التبانة، مع الأخذ في الاعتبار تاريخ تشكل المجرة قبل مليارات السنين، مما قدم رؤية أقرب للحقيقة عن مكان وجود هذه المادة الغامضة.
كيف تشكلت درب التبانة داخل سحابة ضخمة من المادة المظلمة؟
أظهرت المحاكاة الحاسوبية أن مجرة درب التبانة تكونت داخل سحابة ضخمة من المادة المظلمة، حيث انجذبت المادة العادية نحو المركز، حاملة معها أجزاءً من المادة المظلمة، الأمر الذي أدى إلى زيادة كثافتها وعدد تصادماتها في قلب المجرة. وبمقارنة هذه النماذج مع الصور الحقيقية الملتقطة عبر “فيرمي”، تم التوصل إلى تطابق مذهل بين المنطقة المتوقعة لوجود المادة المظلمة ومصدر إشعاع غاما الغامض. وأوضح الدكتور موريتس مورو من معهد لايبنيز أن السبب في التشكيك سابقًا كان يرجع إلى الافتراض الخاطئ بتوزيع المادة المظلمة بشكل كروي مثالي، حيث أظهرت المحاكاة أن المادة أكثر تسطحًا مما كان متوقعًا، ما يغير فهمنا لطبيعتها وانتشارها.
المادة المظلمة كعنصر أساسي لتماسك المجرات وخطوة نحو الإثبات العلمي
وصف البروفيسور جوزيف سيلك من جامعة جونز هوبكنز هذه النتائج بأنها مفتاح هام نحو إثبات وجود المادة المظلمة، مؤكداً أنها العنصر الأساسي الذي يحافظ على تماسك المجرات وسيطرة المادة المظلمة على الكون. ويشير إلى أن الضوء الزائد في مركز درب التبانة قد يكون الدليل الأول على اكتشاف هذه المادة فعليًا، مشيرًا إلى أن رصد إشارات مماثلة في مجرات قزمة قريبة سيكون دليلاً قاطعًا يثبت أن المادة المظلمة ليست فكرة خيالية بل حقيقة كونية حقيقية. ويظل الاكتشاف رغم كل ذلك غير قاطع، حيث يرجح العلماء أن التوهج ليس ناتجًا عن النجوم النابضة كما كان يُعتقد سابقًا، وإنما عن المادة المظلمة ذاتها.
ويأمل المجتمع العلمي في أن يلعب مرصد تشيرينكوف الجديد في تشيلي دورًا حاسمًا في حسم هذا الجدل، حيث سيكون أقوى تلسكوب لأشعة غاما في العالم، قادرًا على التمييز بوضوح بين الإشعاع القادم من المادة المظلمة والإشعاع الصادر عن النجوم النيوترونية.
- فهم توزيع المادة المظلمة في المجرة
- ارتباط توهّجات أشعة غاما بها
- التحديات التي واجهت الباحثين في التحقق من وجودها
- الدور المنتظر لتلسكوب تشيرينكوف في تأكيد نتائج الأبحاث
