فوبيا الهاتف تؤثر على تواصل أبناء جيل “زد” وتغيّر عاداتهم في الرد على المكالمات

جيل زد والخوف من المكالمات الهاتفية: كيف يتواصل المراهقون اليوم؟

جيل زد لا يرد على المكالمات الهاتفية بنفس الطريقة التقليدية التي اعتاد عليها الكبار؛ فهم متصلون طوال الوقت بأجهزتهم المحمولة ويتفاعلون عبر التطبيقات الاجتماعية، يضحكون على الفيديوهات القصيرة ويردون على الرسائل النصية، لكنهم يرفضون أو يتجنبون الرد على المكالمات الصوتية بشكل ملحوظ، وهذا ما يثير استغراب وقلق الكثير من الأهالي حول طبيعة تواصل أبنائهم.

لغة جديدة للتواصل بين جيل زد وفوبيا المكالمات الهاتفية

جيل زد، الذي يشمل مواليد منتصف التسعينيات حتى أوائل الألفية الجديدة، يستخدمون الهاتف بأسلوب مختلف جذريًا عن الأجيال السابقة. فالمكالمة الصوتية لم تعد هي الوسيلة الأساسية للتواصل وإنما أصبحت استثناء يُلجأ إليه في الحالات الضرورية والطارئة فقط. التواصل اليومي يقتصر على الرسائل النصية، تسجيلات الصوت القصيرة، والمحادثات عبر تطبيقات مثل سناب شات، واتساب، وإنستغرام. هذه الطريقة تعكس “الرغبة في التحكم” بشكل أكبر، إذ تتطلب المكالمات حضورًا واستجابة فورية، وحديثًا مباشرًا لا يمكن التراجع عنه، مما يشكل عبئًا نفسيًا على المراهقين الذين يعيشون في ظل ضغوط الصورة، المقارنة، وخوف من الأحكام السلبية التي قد تصدر عن الآخرين. الرسائل النصية من جانبهم توفر مساحة آمنة تسمح لهم بكتابة الرسائل وتعديلها أو حتى تأجيل الرد حتى يكونوا مستعدين، ما يمنحهم إحساسًا بالسيطرة والطمأنينة في عالم سريع التغير ومتطلب.

تظهر فوبيا المكالمات الهاتفية، أو الخوف من الرد على الهاتف، كظاهرة نفسية مرتبطة إلى حد كبير بالرهاب الاجتماعي، حسب رؤية الدكتورة سحر طلعت، أول معالجة بيوديناميكية عربية مسجلة في مجلس المملكة المتحدة للعلاج النفسي ومتخصصة بعلاج الصدمات النفسية. هذا الخوف يعبر عن شعور المراهق بأن التواصل المباشر يعرضه للحكم والنقد، فيميل إلى الانعزال وتقليص التواصل إلى الحد الأدنى. الثورة الرقمية وفرت بيئة مثالية لنمو هذه الفوبيا، حيث تتيح وسائل التواصل طرقًا آمنة تعتمد على النصوص التي تُراجع وتُحرر قبل الإرسال، خلافًا للكلمة المنطوقة التي لا يمكن التراجع عنها، وهو ما يفضله المصابون بالرهاب الاجتماعي لتجنب الأخطاء أو الظهور بصورة غير ملائمة.

بين الرغبة في التحكم والخوف من العفوية: تواصل جيل زد المختلف

نشأ جيل زد في بيئة رقمية خلقت حساسية مفرطة تجاه تقديم النفس أمام الآخرين، خاصة مع وسائل التواصل الاجتماعي التي تزرع حالة مستمرة من المقارنة، سواء في المظهر أو طريقة الكلام أو المستوى الاجتماعي، ما ولد شعورًا دائمًا بالنقص والقلق، ودفع الكثيرين للانكماش خلف الشاشات. التواصل عبر الهاتف يحتاج إلى تفاعل فوري وغير قابل للتعديل، في حين تمنح الرسائل النصية قدرة أكبر على اختيار الوقت المناسب للصياغة والرد، ما يوفر شعورًا بالسيطرة والأمان في وجه الضغوط النفسية المتزايدة.

يروي بعض الحالات التي تتعامل معها الدكتورة سحر ذعرًا واضحًا عند سماع رنين الهاتف، خوفًا من مفاجآت غير متوقعة، فيفضلون تجاهل المكالمة والرد لاحقًا برسالة نصية. ورغم أن هذا الأسلوب قد يمنح راحة مؤقتة، إلا أنه يعزز حالة العزلة ويُضعف الروابط الإنسانية، ما يؤدي إلى تصورات مشوهة عن الآخرين وعدم توازن في العلاقات الاجتماعية. كذلك، يشير الخبراء إلى أن الإفراط في استخدام الرسائل النصية خصوصًا في مواقف حساسة مثل العزاء أو التهاني يحرمنا من دفء الصوت وتأثيره الإنساني الذي لا يمكن تعويضه برموز تعبيرية أو كلمات مكتوبة.

نحو تواصل أهدأ وأكثر وعياً: قواعد وآداب رقمية جديدة لجيل زد

الرسائل النصية رغم سهولتها تشكل خطر سوء الفهم بسبب اختلاف المشاعر بين كاتب الرسالة والمتلقي، بينما المكالمات الصوتية تتيح وضوح النبرة وتبادل المشاعر بشكل فوري وتصحيح الأخطاء في اللحظة ذاتها. النصيحة التي توجهها الدكتورة سحر للأهالي هي عدم الضغط على الأبناء إذا كانوا يتجنبون المكالمات؛ فالسلوك يعكس طبيعة العصر سريع التغير وليس ضعفًا في الشخصية. من الضروري دعمهم لإيجاد توازن تدريجي يعيد إحياء التواصل الإنساني الحقيقي.

وينصح المختصون من يعاني من خوف المكالمات باتخاذ خطوات تدريجية تبدأ بمكالمة قصيرة مع شخص مريح، مع التركيز على تمارين التنفس والاسترخاء والانتباه إلى الإحساس بالجسد الذي يمنح ثباتًا نفسيًا في لحظات التوتر. لا يقتصر الأمر على التقنية فقط، بل على فهم أن الصوت الإنساني يعيد تذكيرنا بأننا بشر قبل أن نكون مجرد مستخدمين للتطبيقات، فالحضور الإنساني لا يمكن استبداله بإشعارات أو رسائل.

في عالم بات الجميع فيه “متاحين دائمًا”، أصبح الصمت وسيلة مقاومة واختيارًا واعيًا للمحافظة على الخصوصية والمساحات الشخصية، إذ يعبر تجاهل المكالمات عن حدود واضحة بين الراحة والانشغال، فأصبح الهاتف ليس مجرد أداة للتواصل بل أداة لإدارة تلك المسافة. قواعد اللياقة الرقمية الجديدة التي يتبعها جيل زد تشمل احترام الخصوصية عبر إرسال رسالة استفسار عن إمكانية الرد قبل الاتصال، والتأجيل في حالة عدم الحصول على رد، مع تحول مفهوم الأدب والتقدير إلى صبر واحترام مساحة الآخر بدل الإلحاح.

  • إرسال رسالة قبل الاتصال للسؤال عن الوقت المناسب
  • تأجيل المكالمة إذا لم يتم الرد على الرسالة
  • تحويل معنى اللطف إلى احترام المساحة الشخصية
  • الرغبة في التواصل صادق وهادئ بدلاً من التواصل المستمر فقط

في خضم هذا الطوفان من الإشعارات والمكالمات التي لا تنتهي، قد تكون المسافة المختارة والصمت الواعي لسان حال جيل زد في الحفاظ على إنسانيتهم وتوازنهم النفسي ضمن عالم متسارع ومتغير.