ما الذي لم يقله المجاهد أبو عبيدة حول خسائر العدو الضخمة في القطاع في إطلالته الأخيرة؟ ولماذا لا تقول أمريكا الأسباب الحقيقية لتعجلها للتوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار في مفاوضات الدوحة؟
عبد الباري عطوان
من المنطق ان تكون قوات الاحتلال، وبعد دخول حرب إبادتها في شمال القطاع المئة يوم الأولى، قد حققت كل اهدافها وسيطرت سيطرة كاملة على الأرض، وهجّرت جميع سكانها، ولكن ما يحدث على الأرض هو العكس تماما، فالخسائر في صفوف القوات الاسرائيلية في تصاعد مستمر، وتوقعات حول حالة تمرد وشيكة في قيادة الجيش الإسرائيلي العليا لهذا السبب تتصاعد، واقدامها على سحب لواءين من القطاع لتقليص الخسائر، وانعكاس لكل ما تقدم.
المجاهد “أبو عبيدة” الناطق الرسمي باسم “كتائب القسام” خرج علينا اليوم في بيان جديد يؤكد هذه الحقائق، ويزف البشائر للامتين العربية والإسلامية بالنصر الوشيك ويقول “مجاهدونا يكبدون العدو خسائر فادحة، ويسددون له ضربات قاسية خلّفت خلال الساعات الـ 72 الماضية أكثر من 10 قتلى وعشرات الإصابات بعضها خطير جدا، والانجاز الوحيد الذي حققه العدو هو الدمار والخراب، والمجازر بحق الأبرياء”.
يوم السبت الماضي فقط، تمكنت قوات المقاومة من قتل 4 جنود إسرائيليين بينهم ضابط احتياط واصابة 5 آخرين، اثنين منهم جروحهما خطيرة جدا مع الإشارة الى ان العدو يقلل دائما من حجم خسائره حفاظا على معنويات جيشه ومستوطنيه المنهارة.
***
المجاهدون في القطاع لا تنحصر قوتهم في الصمود، وانما أيضا في تطوير عملياتهم القتالية، واتباع أساليب جديدة في المواجهة وخاصة التفنن في نصب الكمائن، ورصد تحركات وحدات الجيش الإسرائيلي، ودقة القنص لجنوده، وتدمير دباباته وعربات نقل جنوده انه قمة الابداع.
في الوقت الذي يهرب فيه جنود العدو من القطاع، ويرفض معظم جنود الاحتياط الخدمة العسكرية فيه لان الموت شبه المؤكد، والجندي الإسرائيلي المحظوظ هو الذي يبقى على قيد الحياة مثخنا بالجراح المعقدة في هذا الوقت، تتضخم صفوف المقاومة بآلاف المجاهدين الجدد الذين يتطوعون للقتال في صفوفها.
فحتى هذه اللحظة، وبعد 16 شهرا من العدوان الإسرائيلي على القطاع، لم ينجح هذا الجيش الذي يتباهى بأنه خامس اقوى جيش في العالم، ولم يصل الى 10 بالمئة من أنفاق المقاومة، وفشلت جميع عملياته وطائراته وأجهزة استخباراته في “تحرير” الرهائن، او الوصول الى مخازن الأسلحة ومصانعها في القطاع الذي لا تزيد مساحته عن 360 كيلومترا مربعا، ناهيك عن الوصول الى مقر قيادة مقاومته التي تدير المعارك بدهاء غير مسبوق، عملياتيا واستخباريا.
المقاومة في القطاع لم تطلب مطلقا وقفا لإطلاق النار، ولم تسع للمفاوضات في الدوحة والقاهرة تحت الرعاية الامريكية، ومن يضغط في هذا الاتجاه هي دولة الاحتلال ومستوطنيها ومؤسستها العسكرية، المنهكة بسبب إطالة أمد الحرب، وفشلها في تحقيق جميع أهدافها، وأبرزها تحقيق الانتصار الساحق على حركة المقاومة، وحماس والجهاد الإسلامي على وجه الخصوص، ووضع حكومة عميلة لإدارته.
منذ 16 شهرا ونحن نسمع تصريحات ونقرأ تقارير صحافية تؤكد ان تقدما كبيرا حصل في مفاوضات وقف اطلاق النار في القاهرة والدوحة، وان مسودة الاتفاق النهائية باتت جاهزة للتوقيع، والحقيقة ان هذه التصريحات المضللة هي للمناورة وكسب الوقت لإعطاء الجيش الإسرائيلي الغطاء لمواصلة حرب الإبادة في القطاع على أمل كسر إرادة فصائل المقاومة التي تعي جديا هذه الأهداف الخبيثة، ولم تتنازل مليمترا واحدا عن شروطها، وأبرزها الانسحاب الكامل من القطاع، ووقف شامل لإطلاق النار، والافراج عن اعداد كبيرة ونوعية من الاسرى في سجون الاحتلال وعودة جميع النازحين في جنوب القطاع والبدء الفوري لعملية الاعمار.
نشعر بالغيظ والغضب والألم من جراء تصاعد عمالة السلطة وقوات أمنها مع الاحتلال في الضفة، وتقديمها أوراق إعتمادها له بقتلها للشهداء وإصابة العشرات من رجال المقاومة في مخيم جنين البطل الصامد، مقابل بضعة ملايين من المال الحرام المغمس بدماء الشهداء، وطمعا في نقل خيانتها الى قطاع غزة تحت عنوان إدارته كبديل لحماس، وهذا مثل حلم إبليس في الجنة لان اهل القطاع سيقابلونها وقواتها الخائنة بالأحذية والبصاق والطرد.
***
مقاومة الاحتلال مستمرة في القطاع وتتصاعد في الضفة الغربية البطلة، في تجسيد بطولي لوحدة الساحات في الوطن المحتل، ولن يحكم القطاع إلا أبنائه المقاتلين الشرفاء، وأشقاء الشهداء، ولا ننسى في هذه العجالة تقديم الشكر، كل الشكر، لأهلنا في اليمن الذين ظلوا على العهد، وأمطروا، وسيستمروا، حاملات الطائرات والمدمرات الامريكية والبريطانية، بالصواريخ والمسيّرات الانغماسية، جنبا الى جنب مع أخرى فرط صوتية وصلت الى قلب يافا وحيفا واسدود والنقب، وأغلقت مطار اللد (بن غوريون) عدة مرات في اليوم، وأرسلت 4 ملايين مستوطن الى الملاجئ كل ليلة تقريبا.
المقاومة الفلسطينية هي التي ستقول الكلمة الأخيرة في الضفة والقطاع، وستخرج منتصرة رافعة الرأس، سواء بوقف لإطلاق النار بشروطها، او الاستمرار في القتال، ولن تخيفها مطلقا تهديدات ترامب بفتح أبواب الجحيم عليها، بل هي التي ستفتح بصمودها وبطولاتها وقدوتها أبواب الجحيم على أمريكا وقواعدها ودولة الاحتلال، أسوة بما حدث في أفغانستان والنصر صبر ساعة.. والأيام بيننا.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: